الرحله الشاميه (صفحة 113)

منها فجمع أصنافاً من العرب وصالحهم على الجزية ثمّ أسلموا بعد ذلك. وأتى حلب، وعلى مقدّمته عياض بن غنم الفهري، فتحصّن أهلها وحاصرهم المسلمون، فلم يلبثوا أن طلبوا الصلح والأمان على أنفسهم وأولادهم ومدينتهم وكنائسهم وحصنهم فأعطوا ذلك، واستثنى عليهم موضع المسجد. ومن هذا الحين أخذت البلد تتقدّم وتزداد أهميّتها. وكانت عاصمة ملك سيف الدولة بن حمدان من سنة 936 إلى سنة 967 ميلادية. وفي سنة 961 استولى عليها البيزانطيون تحت رياسة نقفور ولكن لم يستطيعوا الاستيلاء على حصنها، ثمّ جاءت بعد ذلك الحروب الصليبية. وفي سنة 1114 هدمتها الزلازل. وفي سنة 1124 حاصرها الملك بيدوين، أحد ملوك الصليبيين، ولكنّه لم يتمكّن من الاستيلاء عليها. وفي سنة 1139 عاودتها الزلازل ثانية، ثمّ رجعت ثالثة وكانت في الأخيرة أشدّ منها في الأوليين، وذلك في سنة 1170، فجدّد عمارتها وأعاد إليها سيرتها المرحوم السلطان نور الدين الشهيد. كما أنّه بنى القلعة، ثمّ هدمها المغول تحت رياسة هولاكو في سنة 1260، ثمّ أعادوا الكرّة عليها في سنة 1280. وفي عهد سلاطين المماليك بمصر، كانت حلب عاصمة الشام الشمالية. وفي سنة 1400 خرب المدينة تيمورلنك، بعد واقعة هائلة على الأبواب هزم فيها السوريون شرّ هزيمة. وفي سنة 1516 افتتحها السلطان سليم ومحا آثار سلطة المماليك منها. ومنذ ذلك العهد وهي قاعدة ولاية. وإذا كانت حلب قد استطاعت،

على الرغم من كلّ هذه الحوادث المتكرّرة والمصائب المتتابعة، أن تقوم من وهدتها لامّة شعثها رافعة رأسها حافظة لكيانها ومكانها، فذلك إنّما هو بفضل مركزها الجغرافي والتجاري. أمّا مركزها الجغرافي، فلأنّها قائمة على طريق العجم والهند. وأمّا مركزها التجاري، فلأنّ تجارة الحرير والأقمشة والأجواخ والأحجار الكريمة، كلّ هذه التجارات في ذلك البلد نامية زاهرة. وعلى الجملة، فإنّ حلب هذه هي أحسن نقطة في كلّ الولاية. ولذلك اتّخذها أكثر الملوك الفاتحين عاصمة ملكهم. ويقال إنّ جدّنا المرحوم إبراهيم باشا كان قد اتّخذها مركزاً للجنود والعساكر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015