من متاجر الأوربيين بحكم مركزها الجغرافي، إذ هي واقعة بين جملة طرق. وقد أخذت هذه المدينة تتحوّل قليلاً عن شكلها الشرقي، وصناعتها الوطنية تكاد تتلاشى في جانب الصناعة الأوربية. ولا سبب لهذا، فيما يغلب على الظنّ، إلا تلك العلاقات الّتي كانت ولا تزال بين هذه المدينة وبين الغرب منذ العصور القديمة. وهي، في مقابل ما تستورده من مصنوعات أوربا وتستجلبه من بضاعتها، تصدّر إليها الأشياء الأوّلية الآتية: وهي الغلال والصوف والقطن (الّذي لا تزال تزداد زراعته سنة بعد أخرى) والعصف والصمغ والسمسم والجلد على اِختلاف أصنافه. ويقال إن صادرات هذا البلد بلغت إلى نحو مليون ونصف من الجنيهات. وقد علمنا أنّ أكثر ما يصنع من الأنسجة الحريرية والصوفية وغيرها يصدّر معظمه إلى جهة الأناضول. ومن تاريخ حلب أيضاً أنّه جاء ذكرها في الآثار المصرية منذ 2000 سنة قبل الميلاد. وقد ذكرها سلمنذار ملك آشوريا، وهو الّذي فتح مدينة سامرا وفرض الجزية على بني إسرائيل، ثمّ محا ملكهم حيث أخذهم وملكهم أسرى في سنة 854 قبل الميلاد وقد قرّب فيها قرباناً إلى الإله حداد وزاد في اتّساعها بعده الملك سيلوكوس نيكاتور. حكم هذا الملك على بابل بعد وفاة الإسكندر وجمع تحت لوائه الشام وأرمينيا والعراق وقسماً من آسيا الوسطى، وهو مؤسّس الأسرة الملوكية الّتي حكمت الشام زماناً وكانت تلقّب باسمه (نيكاتور)، وهو أيضاً الّذي أطلق على حلب اسم بيرواه.
وفي سنة 611 بعد المسيح دهمت هذه المدينة بحريق عظيم. ويقال أن إحراقها في ذلك العهد كان بأمر من كسرى الثاني ملك العجم. ثمّ وقعت في أيدي العرب تحت قيادة أبي عبيدة بن الجراح بدون أدنى مقاومة في سنة 145 للهجرة. وذلك أن أبا عبيدة، رضي الله عنه، لمّا فرغ من قنسرين، سار إلى حلب فبلغه أنّ أهل قنسرين نقضوا وغدروا، فأرسل إليها جماعة وسار هو حتّى وصل إلى ظاهر حلب، وهو قريب