الرحله الشاميه (صفحة 114)

بيوت المدينة

وقد كنّا نشاهد أثناء مرورنا في طرق المدينة وشوارعها أنّ البيوتات في معظم الجهات مبنيّة من حجارة منقوشة مزخرفة لا فرق في ذلك بين طبقاتها العليا وأدوارها السفلى، وقد أعجبني كثيراً ما رأيته من تلك النقوش البديعة المحفورة في نفس الأحجار بغاية الدقّة والإتقان. ومن ذلك عرفت أنّ لأهل هذا البلد مهارة فائقة وحذقاً عجيباً في صنعة النقش الحفري الّذي يظهر فضل الصانع فيه على الأحجار أكثر مما يظهر على غيرها، فكان ذلك مصدّقاً لما اشتهر عنهم منذ زمان بعيد. ثمّ رأينا في بعض أحياء البلد أبنية حديثة العهد على النمط الأوربي، ولم نستغرب أن نمرّ من شوارع البلد في بيوت على الطراز الجديد وأنّ سكانها أكثرهم من ثراة المسيحيين، وهناك حي آخر يسكنه جماعة اليهود.

السفر من حلب

وأنه ما كادت تشرق علينا شمس يوم الأربعاء 4 ربيع الثاني سنة 1328 حتّى كنّا تأهّبنا للسفر. وكان قد حضر إلينا جمّ غفير من أهل المدينة، فركبنا العربات من

باب الفندق إلى المحطّة. وهناك كان في انتظارنا زحام شديد من المودّعين الكرام، يتقدّمهم جميعاً عطوفة الوالي وأركان الولاية وأصحاب الحيثيات الكبيرة. وبعد أن تبادلنا السلام والشكر، وودّعنا من حضراتهم جميعاً بما لا يتّسع المقام لشرحه من التجلّة والتفخيم، نزلنا في الصالون الخاص وكانت المحطّة لا تزال تموج بالناس موجاً. وما هي إلا لحظة وتحرّك القطار في طريق حمص، وإذ ذاك لا أستطيع أن أعبّر عن سروري وابتهاجي بأولئك الحلبيّين الأفاضل الّذين لم يتركوا في سبيل راحتنا وانبساطنا شيئاً إلا فعلوه. وقد نزل معنا في القطار الوفد الّذي كان قد عين لاستقبالنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015