الرحله الشاميه (صفحة 111)

يكثر فيها الطمي الرملي من الوادي، والثاني: أرض محمرّة في لون الطوب، وفي هذه الجهة ينبت صنفا القمح والفستق وينجحان نجاحاً مدهشاً، وأحسن ما ينبت الفستق ويفلح إذا كان في الجهات الشرقية حيث كان يستجلبه الإمبراطور قينليوس أحد أباطرة الرومان، في عصر نيرون صاحبه وشريكه في مظالمه المشهورة، النوع الثالث: الطمي الأسود الّذي بمجرّد ما جف يتفكّك كليّة ويتحوّل إلى تراب ناعم، وتستقى المدينة وما يحيط بها من المزارع والبساتين من قسم من ماء نهر قويق ومن قسم آخر يفرق عند وصول النهر المذكور إلى قرية هيلانة، وهي قرية بنتها قديماً الملكة هيلانة أمّ الملك قسطنطين الأوّل. وهذه المياه تصل إلى داخل المدينة وتتوزّع على جملة جهات فيها بواسطة قناة.

أمّا الجوّ في تلك الجهة فهو بارد في فصل الشتاء، ويقال إنّه يكثر سقوط الثلج والبرد في هذا الفصل أيضاً، ومن ثمّ لا تعيش هناك أشجار البرتقال. وفي الصيف ترتفع الحرارة وتشتدّ أكثر منها في مدينة بيروت، ولكنّ الهواء جاف تلطّفه كثيراً نسمات الشمال العليلة. ثمّ إن حلب هي مركز الولاية الّتي تشمل الشام الشمالية كلّها، وحدودها تصل إلى نهر الفرات. ويقدّر عدد سكّانها الآن بنحو 200 ألف نفس، والثلثان من هذا العدد مسلمون، والثلث الباقي من طوائف مختلفة، فمنه: 12 ألفاً من الروم ومثلهم من اليهود و 4 آلاف من الأرمن، والباقي بعد ذلك خليط من الأرمن المتحدين والمارونيين والكاثوليك. ويوجد فيها جمعية بروتستانتية للإنجليز وفيها عدّة مدارس اِبتدائية وثانوية، بعضها لطائفة الفرنسيسكان، وفيها أيضاً مدرسة للبنات تديرها راهبات القدّيس يوسف. وعلى

مسافة أربعين كيلومتراً من شمال المدينة، يبتدئ خطّ الانفصال بين اللغتين العربية والتركية. ثمّ إن أهل المدينة يتكلمون بالعربية، وهم مع ذلك يجيدون اللغة التركية نطقاً وفهماً أكثر من أهل دمشق، ولعلّ ذلك لأنّهم قريبون من جهة الأناضول. وقد يلاحظ أنّ اللهجة العربية في حلب لا تفترق كثيراً عن لهجات سائر مدن الشام. وعدد الإفرنج فيها أكثر من عددهم في مدينة دمشق، ولعلّ السبب في ذلك هو أن حلب بمثابة مستودع لكثير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015