في الذهاب إليهم حتّى لا نشقّ عليهم بطول الانتظار، فنزلنا في الزوارق بعدما شكرنا للقبطان تيقّظه في خدمتنا واهتمامه المزيد براحتنا مدّة سفرنا في البحر، غير أنّا كنّا تركنا متاعنا في عهدة أتباعنا الّذين كانوا لا يزالون في الباخرة ومعهم أحد ضباط الجندرمة الّذي كان قد خصّص بمساعدتهم في ما عسى أن تستدعيه حاجتهم ويقتضيه ترحالهم. وكانت المسافة من حين نزولنا من الباخرة إلى حين وصولنا إلى الرصيف لا تزيد عن عشر دقائق، مررنا في أثنائها على السفينة الحربية الّتي أسلفنا أنّها للحكومة العثمانية، وقد أدّيت لنا من أهلها مراسم التجلّة وإشارات التعظيم. وعندما حاذينا المرفأ تقدّم إلينا في أوّل المتقدمين صاحب الدولة ناظم باشا الوالي فبادرنا بتحيّة القدوم وحيّيناه كذلك وشكرنا له معروفه وحسن عنايته. وبعد ذلك شرع يعرّفنا بمن كانوا في انتظارنا مع دولته من علية القوم ويقدّمهم لنا واحداً بعد آخر، ونحن نستقبل الكلّ بما يليق بمكانتهم من الاحترام. فكان من بينهم جناب قومندان الموقع العسكري، وبعض العلماء

يتقدّمهم حضرة قاضي المدينة ورئيس المجلس البلدي وبعض الرؤساء الروحيّين، ثمّ كان مصطفّاً على الرّصيف فرقة من الجند النظامي ومعها موسيقاها. وبعد أن تصافحنا وشكرنا لحضرات المحتفلين لطفهم وحفاوتهم، ركبنا مركبة دولة الوالي الخاصّة الّتي قدّمها إلينا دولته وكان هو صاحبنا فيها. وكان أمامنا إذ ذاك جنديان من السواري ووراءنا أربعة منهم أيضاً، وخلف أولئك كانت مركبة عزيزنا أحمد بك العريس ومعه الياور محمود خيري أفندي ومركبات أخرى لبعض المستقبلين. وما زلنا نسير على هذه الهيئة الرسمية حتّى وصلنا إلى فندق (أوربا). وكان الطريق من الرصيف إلى ذلك الفندق غاصّاً بالأهالي من طبقات عديدة. وقد كان سرّنا جدّاً من هؤلاء المحتشدين ما كنّا نلاحظه أثناء السير من حفاوتهم بمقدمنا وسرورهم الحقيقي القلبي الّذي ما كنّا لنرتاب فيه، وإنّا لنرى البشر كان يتألّق سناه على وجوههم جميعاً، فكنت أحيّيهم كثيراً نظير ما كنت أجده بين حين وآخر من ترحيبهم وحسن وفادتهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015