بعدما اِستوثق منّا عطوفته بإجابته إلى ملتمسه.
أمّا نحن فما نشبنا بعد انصراف عطوفة الوالي وصاحبه إلا بضع دقائق ريثما تهيأنا للخروج، ثمّ ركبنا من باب الفندق عربة، ومعنا صاحبنا الهمام سعادة عبد الحميد باشا الدروبي. وركب عقبنا عربة أخرى عزيزنا الفاضل أحمد بك العريس، ومعه الياور خيري أفندي، فقصدنا توّاً إلى جامع سيّدنا زكريا نبي الله عليه السلام. وهو مسجد جميل الشكل متقن الصناعة والبنيان، تعتمد سقوفه المتينة على أقبية وعمد في طول المسجد وعرضه. ويقال إنّ موضع هذا المسجد كان في الأصل كنيسة من عهد الإمبراطورة هيلانة من قياصرة الرومان، ويسمّى الجامع الأموي لأنّه من آثار بني أميّة. ويدّعي أهل هذه الجهات أنّه كان شبيهاً بالجامع الأموي في دمشق، وقد أحرقته طائفة الإسماعيلية سنة 1169 ميلادية، ثمّ أعاد بناءه المرحوم السلطان نور الدين الشهيد، ثمّ هدمه المغول تحت رياسة هولاكو. ويمتاز هذا المسجد بمئذنته الشاهقة الّتي يبلغ ارتفاعها نحو 54 متراً، ولم نشاهد مأذنة في مساجد المسلمين الّتي رأيناها بلغت من العلو هذا المبلغ إلا تلك المأذنة العجيبة، وهي قائمة في الزاوية الشمالية الغربية من جهة الصحن الكبير الّذي تحيط به الأعمدة من الثلاث جهات. ويقال إن هذه المأذنة بنيت في سنة 1290 ميلادية. أمّا المسجد الّذي تقام فيه الصلاة فإنّه واقع في الجهة الجنوبية من الصحن المذكو، وفيه حجاز من الخشب (درابزين) يقسمه إلى قسمين لكنّهما غير متساويين؛ وقد خصّص القسم الأصغر منهما بالصلوات الخمس، وجعل القسم الأكبر خاصّاً بصلاة الجمعة. وفيه يوجد قبر النبي زكرياء، والد النبي يحيى الّذي قدّمنا أنّه مدفون بجامع بني أمية في دمشق، ويسمّى يوحنّا المعمدان. وهذا القبر لم يكن هو القبر الوحيد المجمع عليه من أهل المدن والطوائف، فإنّ مدينة سامرّا وبعض مدن أخرى من الشام تزعم أنّ فيها قبره عليه