لعطوفته أنّي لا أستطيع أن أشرح سروري بوجودي في مجلسكم، ويسرّني جدّاً أن أستشفي بطعامكم الهنيء وشرابكم المريء، غير أنّي لا أجدني مرتاحاً ولا منشرحاً إذا ضمّني وحزباً من أحزاب السياسة مجلس أو مقام، وقد عشت حياتي لا أرغب في الجمعيات ولا أميل إلى الدخول في المحافل والمنتديات. ذلك لأنّي أرى أنّ الاجتماعات كثيراً ما تضطر الإنسان وتقهره إلى ما ليس في حسبانه، فيتحدّث بما عساه أن يقلق الخواطر ويشوّش الأذهان. نعم، وأكره من صميم قلبي أن أتقيّد بأمر من الأمور كائناً ما كان، خصوصاً الأمر

الّذي سبق رأيي فيه وعرف الناس عنه من لساني مرّة بعد أخرى ما لا أظنّه يخفى على عطوفتكم أيضاً، وإن أقرب عهدنا به مجلس البارحة الّذي تحدّثنا فيه طويلاً مع دولة ناظم باشا وعطوفتكم وبعض رجال الحكومة والأعيان. ولست أخشى من شيء ما أخشى من أن يقال فلان كان بالأمس يقول كيت وكيت، وهو في الصباح يفعل كذا وكذا، وهو ما إذا دخل في الرأي أفسده وفي الكلام أسقطه وعدّ به صاحبه مخادعاً ختالاً. وربّما ذهب في ذلك بعض الناس مذهباً لا يتّفق وما أردته في شيء، وما لي ولهذا كلّه، وإنّي والحمد لله لا أبالي أن أعلن رأيي وأشهره بكلّ صراحة وثبات ما دمت أعتقد أنّه حقّ سديد. (وإنه ليجمل بالرجل ذي الرأي يعتقد صحّته وسداده أن يثبت عليه، مهما تقلّبت أمامه الأمور وتحوّلت الأحوال. وليس من الحكمة أن يخالف الإنسان ضميره ليوافق الناس، ولا أن يغضب نفسه ابتغاء مرضاتهم، كما أنّه ليس من المروءة والشهامة أن يحدّث الواحد قلبه بما يكره أن يدور على لسانه في مجلسه وكلامه)، فأرجوك إذاً أن تعفيني من الذهاب إلى هذا النادي وإنّي أشكرك على هذا الإعفاء، ريثما أشكرك أيضاً على معروفك السابق واللاحق وحسن قصدك الّذي عرفته لك. قلت لدولته ذلك، وهو ما زال يلج في الدعوة ويلحّ في الطلب بما لم يسعني معه أخيراً إلا تلبية طلبه وإجابة دعوته. ولكن ذلك كان بعد أن أفهمني عطوفته أنّ هذه المأدبة من عنده نفسه، وليس لأحد سواه شأن فيها، وأنّه إنّما اختار محل الجمعية لأنّه لم يعثر على محل غيره يسع المدعوين، وهم يبلغون نحو 50 نفساً. وقد ارتحت كثيراً لهذا الجواب، ووددت لو كنت فهمته من قبل. وعلى ذلك انتهت محاورتنا، وخرج من عندنا عطوفة الباشا الوالي مع رفيقه شاكرين لنا ما لقياه من الحفاوة والاحترام، خصوصاً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015