السلام، وقد رأيناه محاطاً بمقصورة مذهّبة بديعة الشكل. دخلنا المسجد أوّلاً وصلّينا فيه تحيّته ركعتين، ثمّ
ذهبنا إلى ذلك المقام الشريف وقرأنا في داخله ما تيسّر لنا من كتاب الله بنيّة حصول البركة وإصلاح الحال. وهناك سألنا الله تعالى أن يتقبّل منّا هذه الزيارة الّتي نشكره، جلّ شأنه، على هدايتنا لها وتوفيقنا إليها. وخرجنا بعد ذلك عامدين على زيارة القلعة الحلبية، وكان طريق سيرنا إليها من داخل البلد. ولا بدّ لنا من ذكر كلمة عن هذه القلعة تتضمّن نبذة من تاريخها، ووصفها على حالتها الحاضرة بقدر الإمكان.
هذه القلعة واقعة في وسط المدينة على تل مرتفع مرصوف بالحجارة، وهو من ذلك يظهر أنّه صناعي. ويقول مؤرخو العرب أنه كان على هذا التل مدينة قديمة من مدن الشام، قائمة على ثمانية آلاف عمود، وهي بالطلع مدينة حلب. ويقال إنّ الّذي بنى هذه القلعة هو سلوقس الذي اختطّ حلب وبناها، فهي على هذا عتيقة متوغّلة في القدم. وبعض المؤرخين يزعم أنّ كسرى زاد في تحصينها ومنعتها. ولست أدري من هو كسرى هذا من ملوك فارس، ولعلّه كان غير كسرى الثاني، لأنّ ذلك هو الّذي أحرقت مدينة حلب بأمره سنة 611 بعد المسيح. ومن أبعد ما يتصوّر أن يعمر القلعة ويزيد في تحصينها من يخرب المدينة ويأمر بإحراقها. ثمّ إنها محاطة من جميع جهاتها بخندق عميق يمكن غمره بالماء، ويقال إنّه بلغ من العمق بحيث يستغرق المسافر إلى قراره مسافة تقرب من نصف الساعة. ويوجد على هذا الخندق قنطرة جميلة مصنوعة من الخشب توصل إلى القلعة، وليس الدخول فيها مباحاً مطلقاً، بل هو محظور عادة إلا لمن حصل على إذن الحربيّة الّتي لا تزال صاحبة السلطة والسيطرة عليها إلى اليوم، على الرغم من أنّ هذه القلعة صارت خربة مهدّمة. ولهذه المناسبة وجدنا اِثنين من ضبّاط الجيش في اِنتظارنا هناك. وقد وصلنا من هذا المعبّر الخشبي إلى برج خارجي، دخلناه من
باب حديد مزخرف بأبدع حلية وأجمل نقش، وقد أخذ منّي الإعجاب