أبراد النسيم تحيّة نديّة وسلاماً مزاجه من تسنيم. ولقد لمحنا أثناء وقوفنا مركباً حربيّة صغيرة من مدرعات الحكومة العثمانيّة كانت راسية في مياه الميناء إلى ناحية من الشاطئ. وكان يلوح لنا من شكلها أنّها من ضمن المراكب التابعة لمصلحة خفر السواحل. ولمّا كان من العوائد المتّبعة قديماً في هذه البلاد أنّ الوافدين على بيروت من أمراء الحكومة العثمانية وغيرها يستأجرون زوارقهم من هذه السفينة، ويدفعون في أجرة الزورق الواحد ما لا يقلّ عن عشرة جنيهات، وإنّما كان هذا ليمتاز الأمراء عن غيرهم من عامّة النّاس ولكي تظهر أبّهتهم وعظمتهم، حيث يوجد في هذه الفلك من النظام والجند ما ليس يوجد في غيرها ممّا يشبه الرسميات، وقد كنّا نسمع بهذه العادة من قبل وأن أحد أمراء مصر كان قد استأجر زورقاً من هذه السفينة حينما زار بعض جهات الشام، رأينا أن نتبع سبيله في ذلك ونجري تلك العادة إذ لا مانع منها وهي علينا سهلة يسيرة. وبينما نحن في الباخرة ننتظر مجيء الزورق، إذ رأينا ما يقارب الخمسة زوارق آتية تتعاقب في البحر بنظامها قاصدة إلى موقفنا من الميناء. وما أوشكت أن تدنو منّا حتّى رأينا فيها جملة أناس
من الموظّفين بين ملكيّين وعسكريّين، فما ارتبنا وقتئذٍ في أنّ هؤلاء قد أوفدتهم الحكومة المحليّة لاستقبالنا في مرسانا. وقد كان أدرك هذه الغاية من مجيء هذا الوفد حضرة عزيزنا أحمد بك العريس، فأسرع إلى مقابلتهم، ثمّ جاء بهم إلينا، وأخذ يقدّمهم واحداً واحداً. وكان أوّل من عرفته منهم جناب كاتب أوّل أسرار الولاية، وقومندان الجندرمه، ومندوب الحكومة العثمانية لدى شركة السكك الحديدية، ثمّ ناموس متصرّف جبل لبنان، ثمّ بعض أعيان مدينة بيروت وآخرين من أعضاء المجلس البلدي فيها.
وبعد أن استقرّ بهم المجلس، وقدّمت لهم لفائف التبغ، وتبودلت بيننا وبينهم عبارات التحيّة والسلام، أخبرنا جناب كاتب أسرار الولاية بأنّ دولة ناظم باشا الوالي وأركان الولاية وأعيانها جاؤوا لانتظارنا على المرفأ. وعندئذٍ لم يسعنا سوى أن نسرع