" الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة ".

والضرب الثاني من الفراسة: يكون بصناعة متعلمة، وهي معرفة ما بين الألوان والأشكال وما بين الأمزجة والأخلاق والأفعال الطبيعية، ومن عرف ذلك وكان ذا فهم ثاقب، قوي في الفراسة، وقد عمل في ذلك كتب فمن تتبع الصحيح منها اطلع منها على صدق ما ضمنوه، والفراسة ضرب من الظن، وقد سئل بعض محصلة الصوفية عن الفرق بينهما، فقال: الظن بتقلب القلب، والفراسة بنور الرب تعالى، وكل من قوي فيه نور الروح المذكور في قوله تعالى: (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي)

كان ممن وصفه بقوله تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ)

وكان ذلك النور شاهدًا منه أصاب فيما حكم به.

ومن الفراسة قوله - صلى الله عليه وسلم - في المتلاعنين: " إن أمرهما بين لولا حكم اللَّه "، ومن الفراسة علم الرؤيا، وقد عظم اللَّه أمرها في جميع الكتب المنزلة، وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -:

(وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ)

وقال تعالى: (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) .

وقال في قصة إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم -: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ)

وقال تعالى حكاية عن يوسف - صلى الله عليه وسلم -: (يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) .

والرؤيا هي فعل النفس الناطقة، ولو لم تكن لها حقيقة لم تكن لإيجاد هذه القوة في الإنسان فائدة، واللَّه تعالى يتعالى عن الباطل. وهي ضربان: ضرب - وهو الأكثر - أضغاث أحلام وأحاديث النفس من الخواطر الرديئة، لكون النفس في تلك الحال كالماء المتموج الذي لا يقبل صورة، وضرب - وهو الأقل - صحيح وذلك قسمان:

قسم لا يحتاج إلى تأويل، وقسم يحتاج إلى تأويل، ولهذا يحتاج المعبر إلى مهارة ليفرق بين الأضغاث وبين غيرها، وليميز بين الكلمات الروحانية والجسمانية، ويفرق بين طبقات الناس، إذ كان فيهم من لا يصح له رؤيا، وفيهم من تصح رؤياه، ثم من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015