وأما درجات الانحدار والارتداد عنها:
فأولاها: الكسل عن تحري الخيرات، ويورثه ذلك الزيغ المعني بقوله تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) .
وثانيها: الغباوة: وهي ترك النظر، وبغض العمل، فيورثه ذلك رينًا على قلبه، وهو المعني بقوله تعالى: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) .
وثالثها: الوقاحة وهي أن يرتكب الباطل ويراه في صورة الحق ويذب عنه،
فيورثه ذلك قساوة القلب، كما قال تعالى: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) .
ورابعها: الانهماك في الباطل وهو أن يستحسنه فيحبه، ويُحسِّنه ويحببه إلى غيره فيورثه ذلك ختمًا على قلبه، وإقفالًا عليه.
كما قال تعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ)
وقال: (أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) .
فالكسل سبب الغباوة، والغباوة سبب الوقاحة، والوقاحة سبب الانهماك في الباطل، كما أن الزيغ يوجب الرين، والرين يوجب القساوة، والقساوة توجب الختم والإقفال.
فحق الإنسان أن يراعي نفسه في الابتداء، ولا يترخص في ارتكاب الصغائر فيؤديه ذلك إلى ارتكاب الكبائر.
كما قيل:
إن الأمور دقيقها ... مما يهيج به العظيم
وقد قال اللَّه تعالى: (فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83)
فدل أن قعودهم أول مرة أدى بهم إلى أن صار محكومَا عليهم أنه لا يتأتى منهم الخروج معه - صلى الله عليه وسلم - بوجه.