على من يريد عصمته لئلا يغفل ساعة عن مراعاة نفسه، كقوله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) .
واعلما أن رشده تعالى للعبد، وتسديده، ونصرته، وعصمته، تكون بما يخوله من الفهم الثاقب، والسمع الواعي، والقلب المراعي، وتقييض المعلم الناصح له، والرفيق الموافق، وإمداده من المال بما لا تقعد به عن مغزاه قلته، ولا تشغل عنه كثرته، ومن العشيرة والعز ما يصونه عن سفه السفهاء، وعن الغض منه من جهلة الأغنياء، وأن يخوله من كبر الهمة،
وقوة االعزيمة ما يحفظه عن التشوق للدنية، والتأخر عن بلوغ كل منزلة سنية.
العقل والشجاعة والعفة والجود والعدالة وسائر الفضائل تتلازم، فإن العقل إذا أشرق عقل صاحبه عن الإقدام على ما يورثه مذمة، ويحمله على الإقدام على المخاوف التي تورثه محمدة، وعلى أن يسمح بفضل ما في يده لمن يحتاج إليه، وأن يبذل لكل ذي حق حقه، وذلك هو العفة، والشجاعة، والجود، والعدالة.
وكذلك إذا كان عدلًا يحمله عدله على ترك ما ليس له مما لا يجوز له تناوله.
وأن لا يحجم عما يلزمه الإقدام عليه، وأن لا يبخل بفضل ما في يده.
وإذا كان شجاعًا لا تقهره شهوته على تناول ما لا يجوز له تناوله، وعلى ظلم غيره، ولا يخاف الفقر فيبخل، ولهذا النظر جعل بعض الشعراء الشجاعة سماحة، والسماحة شجاعة، فقال أبو تمام: