والعدالة إذا تقوت تولد الرحمة، والرحمة هي الإشفاق من أن يفوت ذا حق حقه، فهي تولد الحلم، والحلم يقتضي العفو، والإنسانية والكرم يجمعان هذه الفضائل، وذلك أن الإنسانية هي الفضائل النفسية المختصة بالإنسان، وبقدر ما يكتسبه الإنسان يستحقها، وفيها تفاضل كثير كما تقدم في الفرق ما بين الإنسان والإنسان.

فمنهم من قد ارتفع حتى لحق أفق الملك، فلو تصورنا ملكًا جسميا لكان إيَّاه، لارتفاعه عن الإنسانية إلا بالصورة التخطيطية، وعلى هذا قوله تعالى: (إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) .

ومنهم من اتضع حاله حتى صار في أفق البهائم، فلو تصورنا كلبًا أو حمارًا منتصب القامة متكلمًا لكان هو إيَّاه، لانسلاخه من الإنسانية إلا بالصورة التخطيطة، وعلى هذا قوله تعالى: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ) .

ومنهم من هو في أواسط هذين، في درجة من درجات لها كثيرة، ولهذا صح أن يقال: فلان أكثر إنسانيَّة من فلان.

وما يختص به لفظ الإنسانية فهو الأفعال والأخلاق المحمودة، وأما المذمومات من الأخلاق فتشارك الإنسان فيها البهائم والشياطين.

وأما المروءة: فلها اشتقاقان:

ففي أحدهما: يقتضي أن تكون هي والإنسانية متقاربتين، وهو أن يجعل من قولهم:

تمرأ الصعام، وأمرأه إذا تخصص المريء لموافقته الطبع، وكأنها اسم للأخلاق والأفعال التي تقبلها النفوس السليمة فعلى هذا تكون اسمًا للأفعال المستحسنة كالإنسانية.

والثاني: أن تكون من المرء فتجعل اسمًا للمحاسن التي يختص بها الرجل دون المرأة

فتكون كالرجولية، وذلك أخص من الإنسانية، إذ الإنسانية يشترك فيها الرجال والنساء، والمروءة أخص، فكثير مما يكون فضيلة للمرأة يكون رذيلة للرجل، كالبله والخفر والبخل والجبن، ولهذا قيل: أفضل أخلاق الرجال أرذل أخلاق النساء. فالكيس والشجاعة والجود رذيلة لهن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015