لا يخافه، كما قال الشاعرْ
يسطو بلا سبب وتد ... ك طبيعة الكلب العقور
ومثله هو الذي عني بقوله تعالى: (شَيَاطِينَ الْإِنْسِ) .
والثاني: عدو خاص العداوة، وذلك إما بسبب الفضيلة والرذيلة كمعاداة الجاهل للعاقل، وإما بسبب تجاذب نفع دنيوي كالتجاذب في رياسة وجاه ومال، وإما بسبب لحمة وقرابة أو مجاورة مورثة للحسد كمعاداة بني الأعمام بعضهم لبعض، وذلك في كثير من الناس كالطبيعي.
وقد قال رجل لآخر: إني أحبك. فقال له: قد علمت ذلك، فقال له: من أين علمته، فقال: لأنك لست لي بشريك ولا بنسيب ولا جار قريب، وأكثر المعاداة بين الناس إنما تتولد من شيء من ذلك.
والثاني: عدو غير مضطغن للعداوة: ولكن يؤدي حاله بالإنسان إلى أن يقع بسببه في مثل ما يقع في كيد عدوه - فسمي عدوًّا لذلك، كالأولاد والأزواج. وعلى ذلك قوله تعالى: (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ)
وقال - صلى الله عليه وسلم -: " ليس عدوك الذي إن قتلته آجرك اللَّه في قتله وإن قتلك أدخلك اللَّه الجنة، ولكن أعدى عدوك نفسك التى بين جنبيك، وامرأتك التي تضاجعك، وأولادك الذين من صلبك "
فجعل - صلى الله عليه وسلم - هؤلاء أعداء الإنسان لما كانوا سبب هلاكه الأخروي، لما يرتكبه من المعاصي لأجلهم، فيؤدي به إلى هلاك الأبد الذي هو شر من إهلاك المعادي الناصب إيَّاه.
واعلم أنه لكون الإنسان - أو بعض الناس - مشاركًا للشيطان في المعاداة سمى اللَّه تعالى الأعداء شياطين الإنس والجن في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) .
وقد سمى كل ما يتأذى به شيطانًا حتى قالوا: ما ليلة الفقير إلَّا شيطان مجنون
يؤذي بروح الإنسان، والفقير هو اسم بئر فجعله ليلة ورودها شيطانًا لتأذيه بها.