وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ".
ولما قلنا: قالوا: التكبر على الأغنياء تواضع تنبيهًا أن هذا التكبر في الحقيقة عز النفس " ولأجل أن هذا التكبر غير مذموم، قال تعالى: (يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)
فشرط غير الحق، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: من خض لغني فوضع نفسه عنده طمعًا فيه ذهب ثلثا مروءته وشطر دينه.
الفخر: هو المباهاة بالأشياء الخارجة عن الإنسان، وذلك نهاية الحمق، فمن نظر بعين عقله وانحسر عنه قناع جهله علم أن أعراض الدنيا عارية مستردة، لا يؤمن في كل ساعة أن تسترجع، فالمباهي بها مباهاة بغير ثراه، ومتبجح بما في يد سواه كالفاخرة بجدح ربَّتها، بل هو أدون من ذلك.
فقد قال بعض الحكماء لمن يفتخر بثرائه: إن افتخرت بفرسك فالحسن والفراهة له دونك، وإن افتخرت بثيابك وآلاتك فالجمال لهما دونك، وإن افتخرت بآبائك فالفضل فيهم لا فيك، ولو تكلمت هذه الأشياء لقالت: هذه محاسننا فما لك من الحسن، وأيضًا فالأعراض الدنيوية سحابة صيف عن قليل تقشع، وظل زائل عن قليل يضمحل ويزول، كما قيل:
إنما الدنيا كرؤيا فرحت ... من رآها ساعة ثم انقضت
بل كما قال اللَّه - عز وجل -: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ) .
فإن افتخرت فافتخر بمعنى فيك غير خارج عنك، وإذا
أعجبك من الدنيا شيء، فاذكر فناءك وبقاءه أو بقاءك وزواله أو فناءكما جميعًا، فإذا راقك ما هو لك، فانظر إلى قرب خروجه من يدك، وتعذر رجوعه إليك، وطول حسابك عليه إن كنت تؤمن باللَّه واليوم الآخر، وقد ذم اللَّه تعالى الفخور فقال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) .