مستغلقها، ونظم مفترقها، وعانى خللها، وأزاح عللها، وقيد مهملها، وأبرز محاسنها، وأثار كمائنها، وأعتقها من هجنة التعطيل فرغب في استعمالها، وأطلقها من ربقة الخمول فحرص على حملها وانتحالها، فلو رأى ذلك الواضعون لها وشاهدوا لسلموا له وأذعنوا، وصرحوا بفضل شفوفه عليهم وأعلنوا.
ولقد أذهب الله بذهابه خيرا كثيرا، وأطفأ بوفاته سراجا منيرا. وكانت وفاته ليلة الجمعة لثمان خلون لذي الحجة سنة تسع وثمانين وأربعمائة؛ ومولده كان في ربيع الأول لاثنتي عشرة ليلة خلت منه سنة سبع وأربعمائة وكان رحمه الله في اعتلاء سنه حسن البنية، ممتعا بحواسه وتوقد ذهنه وسرعة خاطره، يقرأ دقيق الخط، ويثابر على المطالعة ويدأب عليها، ولا يخل بحظه منها، ويقرأ عليه مستغلق الكتب، وعويص المعاني وغامضها، فينكر وهم القارئ ويحسن الرد عليه؛ ختم الله به علم اللسان، كما ختم به وبأبيه قبله أفاضل أهل الزمان. ودفن عصر السبت التاسع من ذي الحجة المؤرخ، وصلى عليه ابنه الوزير الفقيه أبو الحسين سراج بن عبد الملك، تاليه في الفضل وكرم الخلال مع سري الخصال، وحائز ميراث مفاخره الجمة. وكان يومه حافلا مشهودا، والأسف في الخاصة والعامة عليه شديدا، والثناء حميدا، وتناغت لمة أهل الأدب من الآخذين عنه والمقتبسين منه وغيرهم في تأبينه ورثائه