وملازمة الجد في جميع الأحوال، ومشهود الثقة فيما يتقلده، وبراعة الإيجاز فيما يلقيه ويورده، وحسن التأدية، وقرب الإفهام، وتذليله كل صعب المرام، والتبيين في الرد والإقناع في الجواب، وترك الجدال والمراء، والبعد عن العجب والخيلاء؛ لعظيم ما كان يحمله، وجليل ما ينتخله، وخطير ما يشتمل عليه صدره، ويجيش به بحره، ويشخو به ذكره، وتفيض به مواد معرفته، وتنهل به أهاضيب علمه، وتسح به شآبيب إحاطته، ثم لا يزال مع ذلك دهره يعترف بالتقصير، وينتسب إلى التعذير، ويعلم أن الإحاطة معجزة، وأن محاولتها معوزة. سبق بهذه الخلال الحميدة من سلف، وأيس بإدراك بعضها من خلف، لم ير قبله مثله، ولا يرى بعده، والله أعلم. وأحيا كثيرا من الدواوين الشهيرة الخطيرة، التي أحالتها الرواة الذين لم تكمل لهم الأداة، ولا استجمعت لديهم تلك المعارف والآلات، واستدرك فيها أشياء من سقط واضعيها، ووهم مؤلفيها، ككتاب البارع لأبي علي البغدادي، وشرح غريب الحديث للخطابي وقاسم بن ثابت السرقسطي، وكتاب أبيات المعاني للقتبي، وكتاب النبات لأبي حنيفة وكتاب الأمثال للأصبهاني وغير ذلك من كتب الحديث وتفسير القرآن مما لم يحضرني ذكره، ولم يمكن حصره، إذ كانت قبل فتحها عليه، وإصلاحها بين يديه، طامسة الأعلام، مختلة النظام، وقد سد التصحيف طرقها، وعور التبديل نسقها، ففتح