إليه ينتمون، وناهيك بذلك شرفا مؤثلا، وفخرا خالدا مؤبدا؛ فتمسكوا بالانقباض عن التكالب على الدنيا، على أنها كانت متصدية لهم لو جنحوا إليها، ومعرضة لهم لو أقبلوا عليها، بل اقتصروا على مكاسبهم الطيبة وترقيح رفيع معايشهم، من فاشي ضياعهم المنتشرة المغلة، مقتعدين غارب الوقار والتجلة، أيام الصلاح وزمان الجماعة؛ ثم استمروا على طريقتهم تلك في مدة الفتنة وأمد المحنة، عند تقلص الأموال، وذهاب الأحوال، وفشو الاختلال، لم يفارقوا مع تزلزل الأقادم، وتقلب الأيام، وذهاب السلطان، وتضعضع الأركان، مركزهم من الصيانة، ولا أخلوا بكريم عادتهم من التحلي بها، والتزيي بباهر رونقها، ولا انحطوا عن رفيع مرتبتهم من نفاسة المأخذ والسيرة التي آثروها، ولا انسلخوا من حلة القناعة، إلى أن درج من درج منهم، وستر التجمل ضاف لديه، وظل الجلالة مكتنف له ومشتمل عليه.

ثم نشأ هذا الشيخ أبو مروان فيهم محيي [رسم] علم اللسان بجزيرة الأندلس ومقيم أوده، ومسدد رزيغه، ومثقف معوج قناته، وموضع معضله، ومجلي غياهب مشكله، وجامع مفترق أدواته، وحاوي قصب السبق في إحراز بعيد غاياته، وتجاوز أقصى نهاياته، وأعلم به من كل من شددت إليه الأقتاب، وأنضيت في طلب ما عنده الركاب؛ ولقد كان في ذلك كله آية من آيات الله معجزة، وندرة من ندرات الأيام معجبة، ونورا ساطعا، وجوادا سابقا، مع متانة الدين، وصحة اليقين، وجلالة المأخذ، وجزالة المقطع، وصلابة القناة في الحقائق، وقلة الإدهان فيها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015