وأصله كان من حضرة قرطبة، وتردد بأقطار الجزيرة شرقاً وغرباً، وكان بها في وقته أحد الغرائب، وأعجوبة في عيون العجائب؛ عالم بما يريشه ويبريه، على لوثة - زعموا - كانت فيه؛ وكان بعيد الهمم، بليغاً بالسيف والقلم، تردد على ملوك الطوائف بالأندلس، فارس جحفل، وشاعر محفل، فجرى في الميدانين، وارتزق في الديوانين. ولم أظفر من شعره في حين إخراجي هذه النسخة من هذا المجموع إلا بقليله؛ ولا بأس - بحمد الله - من الزيادة فيه؛ وقد أثبت منه ما يعترف بحقه، ويعرف به مقدار سبقه.
@ما أخرجته من شعره في النسيب وما يناسبه من الأوصاف
قال:
لو كنت شاهدنا عشية أمسنا ... والمزن تبكينا بعيني مذنب
والشمس قد مدت أديم شعاعها ... في الأرض تجنح غير أن لم تذهب
خلت الرذاذ برادة من فضة ... قد غربلت من فوق نطع مذهب وقال:
ظلت به والدموع جارية ... أقبل الجيد منه والليتا
تقطر دراً حتى إذا وردت ... روضة خديه عدن ياقوتا