عجاجاً سل من تحته منصل؛ فقمت ثابتاً على قصده، فلم ألبث أن سمعته ينشد ويطلب منزلي، فقرع الباب وأذنت له فدخل، فرحبت به، وقمت إليه، وأقبلت عليه؛ فقال لي: يا ابن الكرام، إن هذا يوم قد بكى ماء غيمه، ونبض عرق برقه، وخفق قلب رعده، واغرورقت مقلة أفقه، ونحن لا نجد الخمر، فبم نقطع تأويبه - فقلت: الرأي إلى سيدي أبقاه الله، فقال لي: كيف ذكرك لرجال مصرك، ووقوفك على شعراء عصرك - قلت: خير ذكر. فقال: من أعذبهم لفظاً، وارجحهم وزناً - قلت: الرقيق حاشية الظرف، الأنيق ديباجة اللطف، أبو حفص ابن برد. قال: فمن أقواهم استعارات، وأصحهم تشبيهات - قلت: البحر العجاج، والسراج الوهاج، أبو عامر ابن شهيد. قال: فمن أذكرهم للأشعار، وأنظمهم للأخبار - قلت: الحلو الظريف، البارع اللطيف، أبو الوليد بن زيدون. قال فمن أكلفهم بالبديع، واشغفهم بالتقسيم والتتبيع - قلت: الراتع في روضة الحسب، المستطيل بمرجة الأدب، أبو بكر إبراهيم بن يحيى الطبني، فأنشد:

وخاطب قساً في عكاظ محاوراً ... على البعد سحبان فأفحمه قس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015