وقلت إما أن أجد فأظهر، أو أموت فأعذر؛ فكم من حرة سافرة القناع، تندبني موقت الوداع، وباكية يوم الرحيل، بكاء الحمام على الهديل؛ فقد فقأت عين السرى، بأربع كقداح السرا، يتشبثون بالآكام، تشبث الخصوم بالأحكام؛ ويتعلقون بالمطي، تعلق الأيتام بالوصي، إلى أن أخضلت الدموع المحاجر، وبلغت القلوب الحناجر؛ وجعلت أعوذهن بالمثاني، وأبسط لهن في الأماني، وأقول: ستنسين هذا الموقف، إذا اتصلتن بإسماعيل بن يوسف، فتى كرم خالاً وعما، وشرح من المجد ما كان معمى، قساً فصاحة، وكعباً سماحة، ولقمان علما، والأحنف حلما. أكرم همة من همام، وأعظم بسطة من بسطام؛ إن خاطب أوجز، وإن غالب أعجز، أو جاد أجاد، أو وعد أعاد؛ يأمر ويمير، ويأجر ويجير؛ مأوى السماح والضيف، ورحلة الشتاء والصيف؛ حامي الذمار، بعيد المضمار؛ لا يظلم نقيراً، ولا يخيب فقيراً: يحافظ على صلاته، حفظه لصلاته، ويحن إلى البذل، حنين الغريب إلى الأهل:
قرن الفضائل والفواضل ... فشأى الأواخر والأوائل