بين جوزائها وهقعتها، وتمكن من قيادها، وألقت إليه بأفلاذ أكبادها، لولا أجل محتوم، وتخاذل من ملوك الطوائف بالأندلس معلوم؛ فعرض ابن صمادح نفسه عليه، ومثل بين يديه، فتلقاه أمير المسلمين، رحمه الله، بجميل نظره، وبوأه جانبا من معسكره؛ فكان كالقري أفضى إلى البحر، أو الكوكب الدري غرق في لجة الفجر؛ وسيأتي الخبر عن ذلك مشروحا في أخبار محمد بن عباد المخلوع، بموضعه من هذا المجموع.
وائتسى ابن صمادح به مجاهرا بالعصيان، وأبدى صفحة الشنآن، فوافيا نكبتهما كفرسي رهان؛ غير أن ابن صمادح كانت بينه وبين الله سريرة، أو سلفت له عند الحمام يد مشكورة، مات وليس بينه وبين حلول الفاقرة به إلا أيام يسيرة، في سلطانه وبلده، وبين أهله وولده.
حدثني من لا أرد خبره عن أروى بعض مسان خطايا أبيه قالت: إني لعنده وهو يوصي بشأنه، وقد غلب على أكثر يده ولسانه، ومعسكر أمير المسلمين يومئذ بحيث نعد خيماتهم، ونسمع اختلاط أصواتهم، إذ سمع وجبة من وجباتهم، فقال: لا إله إلا الله، نغص علينا كل شيء حتى الموت! قالت أروى: فدمعت عيني، فلا أنسى طرفا إلي يرفعه، وإنشاده إياي بصوت لا أكاد أسمعه:
ترفق بدمعك لا تفنه ... فبين يديك بكاء طويل