حسده على ذلك مجاهد صاحب دانية، وأظلم الأفق بينهما، فخرج مجاهد غازيا إلى بلاد عبد العزيز، وهو بالمرية مشتغل في تركية زهير، فخرج مبادرا عنها لاستصلاح مجاهد، واستخلف فيها صهره ووزيره معن بن صمادح، فكان شر خليفة استخلف، لم يكد يواري وجهه عبد العزيز عنه حتى عمل بالغدر به والتمهيد لنفسه عند رعيته، فخانه الأمانة، وطرده عن الإمارة، ونصب له الحرب، فغرب في اللؤم ما شاء؛ وتنكب التوفيق ابن أبي عامر لاسترعائه الذئب الأزل على ثلته، ومسترعي الذئب أظلم، وسر الله في خليفته لا يظهر أحدا عليه؛ وكان من العجب أن تملاها ابن صمادح مدته، وخلفها ميراثا في عقبه.
ثم أفضى الأمر من بعده إلى ابنه أبي يحيى محمد بن معن، وصار من العجائب أن ارتقى ذروة الإمارة، وتلقب من الأسماء الخلافية بالمعتصم، والرشيد لم يلده، وهو يعلم أن من الجور أس ملكه الموروث عن أب لم يكرم فيه فعله، ولا طال في طلبه تعبه، ثم لم يكفه تغطيه عن أجنحة النوائب بساحله الذي حال الحوز أمامه واللج وراءه، فرعى خضرته ولبس فروته، وأفنى دجاجه، مستبدا بمال ألفاه، لا يتجاوز به شهواته ومآربه إلى قضاء حق في جهاد عدو أو سد ثغر، أو معونة على بر؛ حتى مل العافية، وبطر الدعة، وطلب الزيادة، فسعى للتوسع في بره