بقدر الله على يدي أحمد بن عباس وزيره المدبر لسلطانه، إذ كان في باطنه فاسد الضمير عليه، حريصاً على إيراطه والحصول على المرية مكانه، إذ كانت داره والده عباس وحوزته، وأهلها صنائعه وخوله، وجندها تربيته، فهو يرى أن مهلكه تراثه، ويحرص على زواله.
وحدثت أن باديس لما تقدم تلك الليلة بحبس الأوعار أشعر بذلك زهير، وقال له بعض أصحابه: أطعني وقلدني عارها، وهون على نفسك هذا الخرق، وخل عنها، وتقدم إلى قوادك الليلة في الارتحال معك سراً، واتخذ الليل جملاً، فلعلك تجاوز هذه الأوعار فتخر من الورطة، فإن القوم متى تبعوك فيها دخلوا من التغرير فيما خرجت عنه، وتهيأ لك العطف عليهم بمجال فسيح يمكنك القتال فيه والتعلق ببعض حصونك. وأكثر من ذلك حتى رد عليه أحمد بن عباس قوله وقال: هذا وسواس أدخلك فيه الذعر. فقال له: ألمثل تقول هذا يا أبا جعفر وأنا فارس [ابن فارس] ، نيفت على عشرين وقعةً وأنت ما قرعتك قط وعوعة! - ستعلم عاقبة أمرك. فأجلت الوقعة عن أسره، وكان مناه الخلاص إلى المرية لينفرد بالإمارة.
وكان من جهله المأثور أن قال يومئذ للذين يحملونه إلى باديس: الله الله في حمولتي! قولوا لأبي منادٍ باديس يحتاط عليها لا تنخرم، فإن فيها قطعة دفاتر لا كفاء لها! فضحك البرابر من جهله.