فعزم باديس عند ذلك على القتال، ووافقه قومه صنهاجة، فأقام مراتبه، ونصب كتائبه، وأرسل إلى طريق زهير فقطع قنطرةً لا محيد لزهير عنها، والحائن زهير لا يشعر، وبات تتمخض له ليلته عن راغية البكر؛ وغاداه باديس صبيحتها على تعبئة محكمة، فلم يرعه إلا رجة القوم راجعين إليه، تخفق طبولهم وهدير رقاصته الأساود، فدهش زهير وأصحابه، فيا لك من أمر شتيت، وهول مفاجئ، قسم بال المرء بين نفسه وماله، ووزع همه بين روحه ورحله! إلا أن أميرهم زهيراً أحسن ابتداء الثبات لو استتمه، وقام ينصب الحرب، فثبت في قلب عسكره، وقدم خليفته هذيلاً الصقلي في وجوه أصحابه من الموالي العامريين الفحول وعشيرته الصقلب وغيرهم لاستقبال صنهاجة. فلما رأوهم علموا أنهم حمته وشروكته، وأنهم متى خضدوها لم يثبت لهم من وراءهم، فاختلط الفريقان، واشتد بينهم القتال ملياً، فلم يكن إلا كلا، حتى حكم الله بالظهور لأقل الطائفتين عدداً ليري الله قدرته، ويجدد في قلوب عباده عبرته، فنكص في الصدمة قائدهم هذيل، والرحى عليه دائرة، إما بطعنة أردته عن متن فرسه، أو بكبوة كانت منه، وابذعر أصحابه عباديد وانهزموا، وقيد هذيل لوقته إلى باديس أسيراً، فأعجل بضرب رقبته. فما كان إلا أن نظر زهير إلى مصرعه، فانثنى عنه وفر على وجهه، فلم يستصحب ثقة، ولا انحاز إلى فئة؛ ولج به الفرار، وانهزم أصحابه