من التوافق على المكان، والاستظهار بآخر حدود الأعمال، غير ذلك من وجوه الحزم. فأعرض زهير عن ذلك كله، وأقبل ضارباً بسوطه، حتى تجاوز الحد الذي جرت به العادة، من الوقوف عنده من عمل باديس دون إذنه، وصير الأوعار والمضايق خلف ظهره، لا يفكر فيها، واقتحم البلد حتى وصل إلى باب غرناطة، وخرج إليه باديس في جمعه، وقد أنكر اقتحامه عليه، وعده حاصلاً في قبضته، فبدأه بالجميل والتكريم، وأوسع عليه وعلى رجاله، في القرى والتعظيم، ما مكن اغترارهم، وثبت طمأنينتهم.
ووقعت المناظرة بين باديس وزهير ومن حضرهما من رجال دولتيهما من أول يوم التقائهم، ففشا بينهما عارض الخلاف لأول وهلة، وحمل زهير أمره كله على التشطط، وخلط التغرير بالدالة، والجفاء بالملاطفة، وزعم في بعض ما يقوله أن الذي جاء به زيارة قبر حليفه وخليله حبوس، وهو قد بخل بالتعزية على ولده إثر موته. واتصلت بينهما المناظرة، والأمرار يزداد، وزهير يأبى ذلك وتهاون كأنه قد اقتدر على خصمه، ووزيره أحمد بن عباس المعجب التياه يفري في تصريح ما يعرض به زهير، إيعاد للقوم، وإغلاظاً عليهم.