لا ينفق حاضروها غير النفوس والأرواح، وشرب يتعاطون المنايا بظبا السيوف وأطراف الرماح؛ مصروعهم دائر وصارعهم خاسر، وماضيهم نادم، وباقيهم واجم.

والذي يحملون من أوزارهم وأوزار مع أوزارهم، ويحتقبون من آصارهم، تسلط النصارى على المسلمين، وعيثهم في بلادهم يقتلون ويأسرون؛ فالأموال مستهلكة، والحرمات منتهكة، والدماء مهراقة، والنساء مستاقة، وعقد الدين مفسوخ، وعهد الإسلام منسوخ، والكفر عال على الإيمان، والسوء غالب على الإحسان. فقد بلغني أن مذهبكم الاستجاشة بالنصارى إلى بلاد المسلمين، يطؤون ديارهم، ويعفون آثارهم، ويجتاحون أموالهم، ويسفكون دماءهم، ويستعبدون أبناءهم، ويستخدمون نساءهم. وإن نفذ هذا - وأعوذ بالله - فهي حال مؤذنة بالذهاب، وجريرة تؤذن بالخراب؛ ولم نأمن أن يظهر لهم من الخلل في بلادنا، والقلة في أعدادنا، ما يجرئهم علينا، ويجرهم إلينا، بما لا نقدر على مكاثرتهم فيه، ولا نقوى على مصابرتهم به، فتلك الوقعة التي لا ينتعش عثورها، والقارعة التي لا ينجبر كسيرها. ولم أجد يا سيدي وعدتي دواء أنجع، ولا سعياً أنفع، من صلة يدي بيد الفتى الكبير فلان، في توسطه هذه الأحوال بينكم، والتأني، لإصلاح ما فسد منها عليكم، ولم نلف سبباً إلى كشف هذه الغيايات، وفتح هذه المبهمات، أقوى في النجاح، وأهدى إلى الصلاح، من بعث أعلام بلدنا، ووجوه رجالنا.

وكتب إلى ابن الناصر: سيدي وأعظم عددي، بقيت لمجدٍ تؤسسه، وحمد تلبسه، كتبت - كتب الله لك ما يفوت أملك - عن نفسٍ تعدك أكرم نفائسها، فلا يساويك في هاجسها، وضمير صفا لك منهله، فلا أحد قبلك ينزله، وود أحكمت لك عقده، ونظمت بك عقده؛ حقيقة أدني نظرها إليك، وخليقة وقف سرها عليك؛ فطرف اهتبالي إليك شاخص، وضمير إدلالي عليك خالص؛ والعهد الذي أنت لحرماته لاحظ، ولأماناته حافظ، ينجد لساني في المقال، ويمد عناني في الاسترسال، ويوفد إليك النصح محضاً، ويورد عليك الصدق فرضاً؛ موازرة لا أرى التخلف عنها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015