واتصل بي ما وقع بينكما وبين المظفر أبي محمد من المتنازع، الذي أخاف أن يفضي بكم إلى التقاطع، وورد عليّ كتابكما الكريم في ذلك بما ترقبت انصرام أجله، وتنظرت انحسام علله، حتى خشيت أن يتمادى بكم اللجاج، ويتعاصى في أموركم العلاج، وأشفقت من ادلال الشيطان بمخاتله، وإطلال الخذلان بحبائله؛ فيقرع الثكلان سنه من الندم، وينطوي الحران على يده من ألم. وحالي يا سيدي في الأخذ من أحوالكم بأوفر نصيب، والتزع في أموركما بأكبر ذنوب، حال من أعدكما لحوادث الزمن، وكوارث المحن، واعتقد كما العدة الكافية، والعصمة الواقية، فيما استسر وعلن، وظهر وبطن؛ فلم أر نفسي في سعةٍ من إهمال التذكرة، وإغفال التبصرة. والله يعيد الكل من الشتات والشمات، ويعيدكم إلى المواساة والمواتاة.
ولم يخف عليكما ما في صلاح ذات البين، من الفوز بخير الدارين، وأمن العباد، وخصب البلاد، وإعزاز الدين، وإذلال القاسطين، وتوهين المشركين، وقوة العضد، ووفور العدد، ودعة الأجسام، والرعة عن الآثام، وستر العورات، وحفظ الحرمات، والانتهاء إلى حدود الله، والازدجار بزجره، والتأدب بأدبه، والائتمار بأمره؛ فإنه يقول عز من قائل {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين} (الأنفال: 1) وقال (واعتصموا بحبل الله جميعاً) ... الآية (آل عمران: 103) وقال صلى الله عليه وسلم " لا تقاطعوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً وعلى طاعته أعواناً ". وقد علمتم أنه لم يهلك من هلك من الأمم الماضية، والقرون الخالية إلا بتقاطعهم وتحاسدهم وتدابرهم وتخاذلهم، وأن اللجاج مطية الجهل، والهوى آفة العقل، والحمية من أسباب الجاهلية، والعصبية من العنجهية، والحرب مشتقة المعنى من الحرب؛ مع ظنك المتغلب وكأنه المتغلب، توتم الأطفال، وتلتهم الرجال، سوق