ديانة، ومظاهرة لا أعد التبري منها أمانة؛ وأخوك من صدقك، وعدوك من مذقك.
واتصل بي، ما جزعت له، من لزومك مع الموفق أبي الجيش، ومن تبعكما من معاقديكما، لمفاتنة المظفر أبي محمد ومنازلته ومقارعته، واستجاشة كل حزب منكم بالنصارى، وطمعكم أن تمنعوا بهم ذماراً، وتقضوا بإخراجهم أوطاراً، وتدركوا بأيديهم أوتاراً؛ ولم يخف عليك ما يتسبب بالفتن، من البلوى والمحن، وما يكتسب فيها من الحوب، ويحتقب بها من الذنوب، وما ينوب الظالم والمنصف من معرتها، ويصيب البريء والنطف من مضرتها، وما يعم من بأسائها، ويطم من دهيائها، باحترام الرجال، وإيتام الأطفال، وإرمال النساء، وإحلال الدماء، وانتهاب الأموال، واعتساف الأهوال، وإخلاء الأوطان، وجلاء السكان، وانقطاع السبل، واتساع الخلل. هذا إذا كانت الدعوة واحدة، والشرعة معاضدة، فأما إذا انساق العدو إلينا، وتطرق علينا، وضري على أموال المسلمين ودمائهم، وجرؤ على قتل رجالهم وسبي نسائهم، وبانت له العورات، وتحققت عندهم الاختلافات، وأحدوا رحاهم، واستمدوا من وراهم، لم يكن للمسلمين بهم يعد يد، ولا عن إخلاء هذه الجزيرة بد، والله يحميها من الغير، ويكفيها سوء القدر.
وإن أحق من لم شعث المسلمين، وضم منتكث الدين، من أيد الله أولهم بأوليه، ورقع خللهم بمساعيهم ومساعيه؛ وكانت وقائعه في المشركين مشهورة، وصنائعه بالكافرين مذكورة، ومن لا تؤرخ الأيام إلا بغزواته ولا تحلى الأيام إلا بفعلاته. وأنت قاضب من تلك القواضب، وثاقب من تلك الكواكب، وغرة من تلك الأوضاع، وشعلة من ذلك المصباح، ومعلى من تلك القداح، وعامل من تلك الرماح، فحقيق عليك أن تجري إلى غاياتهم، وتعلي راياتهم، وتحمي ذكرهم، وتحيي مجدهم. وقد علمت ألا عدة أعد، ولا نجدة أنجد، من توازر القلوب، وتناصر العيون، وتضامن الأيادي، وتظاهر المساعي؛ فحينئذ يخشن الجانب، ويعن المجانب، ويصحب الأبي، ويطيع العصي. ومن خلا من صالح الأعوان، وضيع الاستظهار بأحباء الإخوان، كان أجذم الرماح، كهام السلاح، مقصوص الجناح، خائب القداح، مفلول الحد، مصلد الزند؛ والمرء كثير بأخيه، والجناح بقوادمه وخاوفيه، والانفراد في الوطن غربة