وحزمٍ أيدت، وكم فضلٍ أبديت وأعدت، وكم طول بنيت وشيدت، وكم راية للدين رفعت، وغيابةٍ عن المسلمين قشعت. أفالآن يدعى للهوادة، ويسعى العادة، حين أملت للزيادة، واكتهلت في السيادة، وأرج بفخرك كل ناد، ولهج بذكرك كل حاد؛ عديم أتراب وأقران، ونديم آدابٍ وقرآن؛ لم تفتك من الفعال فضيلة، ولا شانك إلى الكمال وسيلة. ولا أعرفك من المعالي ما لا تعرف؛ ولا أصفك من المفاخر بما لا توصف؛ الألسنة عن واجبك حسيرة، والأمكنة بمناقبك معمورة، والله تعالى يزيدك علواً ومجداً، ويقيدك سمواً وجدا. وأنت لا تألو المسلمين نصحاً، ولا يعدمهم سعيك نجحاً، ولا يفقدهم هديك صفحا. فعياذاً بالله أن يسفك بك دم، ويهتك بسببك محرم، أو يهلك بطلبك مسلم؛ وأنت العالم بأمر الله، والقائم بسنة رسوله، والحاكم بما يرضاه، والعاصم بتنزيله، والمقتدي بسبيله، والمهتدي بدليله. فلا أتلو عليك من آدابه إلا ما أحكمت تأويله، ولا أجلو لك من تبيانه إلا ما قدمت تحصيله. فما مثلك من أهل الفضل [يذكر] يقول الله عز وجل: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ؛ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} (التوبة: 70) .
وله عنه إلى صاحبي شاطبة: كتبت يا سيدي، ومشارب الآمال قد تكدرت، ووجوه المحاسن قد تغيرت، وأيدي التوازر قد قصرت، وسبيل التناصر قد توعرت، إلا أن يتلاقى الله الخلل بتسديد نظركما، وينعش الأمل بحميد أثركما؛ فينظم الشمل، ويصل الحبل، ويسد الثلم، ويشد الحزم، ويرقع المنخرق، ويجمع المفترق، ويضع الإصر، ويرفع الوزر، ويعيد الكلمة متفقة، والأمة متسقة، والأيدي متأيدة، والنفوس متوددة، والأهواء متعاضدة، والأنحاء واحدة، والدماء محقونة، والعاقبة مأمونة؛ والله تعالى يعين كلا على الصلاح، ويفضي بنا إلى النجاح، بعزته.