بعزمك، وأوضح المظلمات بنجمك، وأبقى المحاسن ببقاك، وسقى مواطن العلياء بسقياك.
كتابي يا سيدي، وأجل عددي، كتب الله لك السلامة، ووهب لك الكرامة، ولو تقدمني في الاعتراف بمآثرك مطنب، أو أفحمني في أوصاف مفاخرك مسهب، ما شق غباري في ودادك مجار، ولا تعلق باثآري في اعتقادك مبار. وكيف وقد حزت الغايتين من تفضيلك [وإعزازك] ، وأحرزت الفضيلتين من تبجيلك وإحرازك؛ وما انفردت من زماني بفائدةٍ توازيك، ولا استبددت من إخواني بفائدة تساويك؛ وبحسب ذلك ضني بك وشحي، ومحبتي لك ونصحي؛ وما أذكرك ما لا تذكر، ولا أبصرك ما لا تبصر؛ فأي علمٍ إلا سلكت شعابه، وأي حلم إلا ملكت رقابه؛ وإن كنت لا أورد عليك إلا ما يؤثر عنك، ولا أوفد إليك إلا ما يظهر منك، فللساعي مراده، وللداعي اعتقاده، وللمجتهد أجره، وللمقتصد عذره؛ فما أستصبح إلا من قمرك، ولا أستوضح إلا بغررك، ولا أعشو إلا لنارك، ولا أمشي إلا بأنوارك. والله يبقيك للأفضلين أسوة، ويحييك للأكرمين قدوة.
واتصل بي يا سيدي ما وسوس به الشيطان من الأمر، حتى عمد له البيان، في الفتق لأثر مسحوب وقدر مكتوب. وأنت الذي نجذته التجارب، وشحذته النوائب، وارتضع أخلاف الحروب، وامتضغ أصناف الخطوب، وعجم قناة الزمن، واقتحم غمرات المحن، بقلبٍ غير منخوبٍ ولا وهل، وعقل غير مسلوب ولا وكل، وذكاء تنكسف له ذكاء، وآراء ينكشف لها الغطاء، وعلمٍ لما تأتي وتذر، وفهمٍ بما تورد وتصدر، ومذاهب مثلها لك التحقيق، ومطالب شرحها التوفيق؛ فهي بعصمة الله محفوفة، وبنعمته مكفوفة، وعلى إرادته متوقفة، وفي طاعته متصرفة؛ فكم لك في المشركين من البلاء الجميل، وعلى المسلمين من الغناء الجزيل؛ فكم علمٍ خلدت