المجموع، إن شاء الله] .

فلما كان سنة اثنتين بعدها، دلف ابن ذي النون إلى قرطبة، وكان لا يغبها شره، ولا ينام عنها مكره؛ وقد احتاج عبد الملك بن جهور إلى استمداد من المعتمد لانفضاض من لديه، وعجزه عما كان أسند من تدبير قرطبة إليه، فأمده المعتمد بجمهور أجناده، على أكابر قواده، قد تقدم إليهم بمرداه، ونهج إليهم سبيل إصداره وإيراده؛ فوافوا قرطبة، ونزلوا بربضها الشرقي، وأقاموا بها أياما يحمون حماها، وأعينهم تزدحم عليه، ويذبون عن جناها، وأفواههم تتحلب إليه. فلما سئم ابن ذي النون سفره واجتواه، وقضى من غزو قرطبة وطره وما قضاه، أخذ في الرحيل عنها، فما انقشعت سدفة ليله، ولا تمزق غبار سنابك خيله، حتى هتك العباديون الحريم، وركبوا الأمر العظيم؛ باتوا متحدثين بالقفول، ثم غلسوا مظهرين للرحيل؛ وعبد الملك متأهب لتشييعهم، عازم على البكور إلى توديعهم، وشكرهم على حسن صنيعهم،؛ فلم يرعه إلا إحداقهم بقصره، وارتفاع أصواتهم بالبراءة من أمره، وإصمات الأفواه عن ذكره؛ وقد تمخضت له ليلته بيوم عقيم، وافتر له ناجذ صبحها عن ليل بهيم، ومشى من أنصاره هنالك بين أسد شتيم، وأسود مسموم:

ومن يجعل الضرغام للصيد بازه ... تصيده الضرغام في من تصيدا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015