وفرقاً من استمرار مريرته، وحسداً لآل جهور في من حسم عنهم الأطماع، وجمع دولتهم الشعاع. فقد كان ابن السقاء هذا من الاستقلال بمكانه، والضبط لسلطانه، والاستيلاء على ميدانه، بحيث يخيف الأنداد، ويغيظ الأعداء والحساد. فدس عباد إلى عبد الملك بن جهور من جسره على الفتك، وإلى ابن السقاء من ألقى في روعه حب الملك، وكلاهما راش وبرى، حتى جرى القدر بينهما بما جرى. وسيأتي الخبر عنهما مشروح الأسباب، في القسم الرابع من هذا الكتاب.

وخلا لعبد الملك الجو بعد ابن السقاء؛ فأعرض وأطال، وطلب الطعن وحده والنزال: وأعجبه شأنه وازدهاه، وأمره شيطانه ونهاه؛ ووجد عباد السبيل إلى شيء طالما كان شرد كراه، ونغص عليه كثيراً من لذة دنياه: من افتقار بني جهور إلى نصره، وتصرفهم بين نهيه وأمره. وانقبض عن عبد الملك لأول استبداده بالأمر حماته الذين كان ابن السقاء يرفعهم برفعه، ويصطنعهم بحذقه، ويوردهم ماء سماحته وبذله، ويلحفهم ظلي تواضعه وعدله. وقد خامر نفس يحيى بن ذي النون من الشغف بقرطبة ما هون عليه إنفاق المال، واحتمال الأثقال، وتكلف الحل والترحال؛ فهي مضمار خيله، ومدرج سيله، وحديث نفسه، وهم يومه وأمسه. وخلت السنون، وغالت عباداً المنون؛ وصار الأمر إلى ابنه المعتمد سنة إحدى وستين [حسبما يذكر في القسم الثاني من هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015