على أنبوب، هم ما هم، تناقلوا الوزارة والكتابة ما بينه وبين خامسهم عبيد الله ذي المنقبة الزائدة، خولهم الله الرياسة على تعاقب الأزمان واختلاف الأعصار، ولم تنقلها الفتنة إلى أن ورثها تربها هذا الوالي الفاضل أبو الوليد، ولما يعرف البؤس يوماً، فأعانه ذلك على الحسب والمروءة، وأقر أبو الوليد لأول ولايته الحكام، وأولي المراتب على حسب ما كانوا عليه أيام أبيه.
قال ابن حيان: وكنت ممن جادته سماء الرئيس الفاضل أبي الوليد الثرة، وكرم في فعله ابتداء من غير مسألة، فأقحمني في زمرة العصابة المبرزة الخصل، مع كلال الحد وضعف الآلة؛ واهتدى لمكان خلتي وقد ارتشف الدهر بلالتي، بأن قلدني [إملاء] الذكر في ديوان السلطان المطابق لصناعتي، اللائق بتحرفي، براتب واسع، لولا ما أخذ على كتم ما أسداه لجهدت في وصفه، وإلى الله تعالى أفزع في إحمال المكافأة عني برحمته.
ثم اقتفى أبو الوليد آثار أبيه أبي الحزم في السياسة من درء الحدود ما وجد إلى ذلك سبيلاً، والتأول في تعطيل الإقادة بالحديد ألبتة، لعدم الإمام المجتمع عليه في الوقت، والتربص لإدبار الفتنة؛ فأصبح من العجب العجاب تكاف الناس في الأعم عن التظالم والتسافك، بخلاف ما كانوا عليه تحت الضبط الشديد، وتجاوز الحدود، بأيدي جبابرة أصحاب الشرطة أيام الجماعة، فلا يكاد يسمع لشرارهم من معهود ذلك إلا النادرة الفذة. وبرز أيضاً أبو الوليد في فك العقل السلطانية، وأنفذ الحكم