وقد اغتدى مثلاً لمن عرفه وسمع به. وأغيظ من ذلك لأولي الألباب تسليطه على هدم قصور بني أمية المبتناة على أساس العلا، المسخر فيها أصناف الورى، المكتملة الاستواء في حقب من السنين تترى، حتى اغتدت بجزيرة الأندلس كإرم ذات العماد لا يخشى على أركانها انهدام، فلما أذن تعالى بحط أعلامها، وطمس آثارها، أتاح لها هذا الأنيسيان الضعيف القوى، القصير المدى، كإتاحة الجرذ المهين لسد مأرب ذي الأنباء البديعة، فدكدكها حتى عادت كوم رماد ومصايد ضباب، ولم يقلع عنها حتى أوقع النار على صخورها، وصيرها كلساً لكل مرتاد. فيا لها موعظةً لمن بقي على الأرض ممن لحق هذه البقعة السعيدة بدولة أملاكها. فتبارك منزل الآيات ومعجل النقمات، ومصرف الدولات ومبدل البقعات.
قال ابن بسام: إلى هذا المكان انتهى ما أخرجته في هذا الفصل من كلام ابن حيان. وكان عندهم بقرطبة خاتمة المتكلمين وجمهور المحسنين، على ما تراه ركب من إثم، واحتقب من ظلم، وتناول من عرض، وأطبق من سماء على أرض، عجباً بافتنانه، وتعجيباً من بيانه، وتنبيهاً على مكانه من علو شانه ومشهور إحسانه. وعجائبه أكثر إعلاماً، وأشهر أياماً. وأكثر ما وجدته من كلام هذا الشيخ الباقعة، ففي هذا الباب - أعني الذم - أحفى شباة قلمه، وخلد أوابد كلمه. ولو وجدت له في سواه شيئاً استشهد به على فضله، وأجعله ذريعةً إلى الثناء بنبله، لكنت له