شاعر، ولا امتدحه ناظم ولا ناثر، ولا حظي أحد منهم بطائل، ولا استخرج منه درهم في حق ولا باطل، فأصبح في اللؤم قريع دهره، وفريد عصره، لا يعد له فيه ملك ولا سوقة. وكان فرط الثوار بصقع الأندلس في إيثار الفرقة، وتشتيت كلمة الجماعة، فاقتطع ناحيةً، وتفرد في الشقاق، وصار جرثومة الخلاف والنفاق، إذ أمه من بعده، وسلك سننه، فتركه الله في ضلاله ولم يرض له عقوبة الدنيا مثوبة، لما هو أعلم به. من رجل كثرت جبايته، وكثف جمعه، فكلما درت ضروع ورقه وتبره، وغزرت استفادته، زاد حرصه، وتضاعف جشعه:
كالحوت لا يكفيه شيء يلقمه ... يصبح عطشان وفي البحر فمه فصل:
ونعي إلينا عدو نفسه، زاوي بن زيري موقد الفتنة بعد الدولة العامرية. ورد النبأ بمهلكه في القيروان وطنه، بعد منصرفه إليها خاملاً مغموراً بين أعاظم قومه، لم يرتفع له ذكر بينهم. مهلكه كان - زعموا - من طاعونة أصابته. فالحمد لله المنفرد بإهلاكه، الكفيل بقصاصه؛ فلقد كان في الظلم والجور، والاستحلال للمحارم والقسوة، آية من آيات الله؛ أهان الله مثواه، ولا قدس صداه.
فصل:
وانكدر على أثره من الظلمة المسرفين المترقين من السمسرة إلى شرف المنزلة، فلان الكاتب الضعيف الرأي [والعقل] . وكان قد ركض في حلبة كتاب الرسائل، وقلد جملة من تدبير الأعمال الجلائل، من غير