الرواح عادوا إلى القصف، وتجاوزوا في ميدانهم كل وصف. إلى أن اختلس أبو بكر منهما، وتقلص ذيل مؤانسته عنهما، فاعتاضا عنه بسواه، وأفاضا فيما كانا فيه وما تعدياه.

واتفق أن مر بقبره في لمة من أخوانه، وجماعة من عمار ميدانه، فعطفوا عليه مسلمين ووقفوا عليه متألمين، فقال أبو الوليد:

ما أقبح الدنيا خلاف مودع ... غنيت به في حسنها تختال

يا قبره العطر الثرى لا يبعدن ... حلو من الفتيان فيك حلال

ما أنت إلا الجفن أصبح طيه ... نصل عليه من الشباب صقال

يا من شأى الأمثال منه واحد ... ضربت به في السؤدد الأمثال

نقصت حياتك حين فضلك كامل ... هلا استضاف إلى الكمال كمال

زرناك لم تأذن كأنك غافل ... ما كان منك لواجب إغفال

أين الحفاوة روضها غض الجنى ... أين الطلاقة ماؤها سلسال

هيهات لا عهد كعهدك عائد ... إذ أنت في وجه الزمان جمال

فاذهب ذهاب البرء أعقبه الضنى ... والأمن وافت بعده الأوجال

حيا الحيا مثواك وامتدت على ... ضاحي ثراك من النعيم ظلال

وإذا النسيم اعتل فاعتامت به ... ساحاتك الغدوات والآصال

ولئن أذالك بعد طول صيانةٍ ... قدر فكل مصونة ستدال وله:

على دارة الشرقي مني تحية ... زكت وعلى وداي العقيق سلام

ولا زال روض بالرصافة ضاحك ... بأرجائها يبكي عليه غمام

معاهد لهو لم تزل في ظلالها ... تدار علينا للسرور مدام

زمان رياض العيش خضر نواعم ... ترف وأمواه النعيم جمام

فإن بان مني عهدها فبلوعةٍ ... يشب لها بين الضلوع ضرام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015