ومان ابن زيدون متصلاً بابنه أبي الوليد أطول حقبة، اتصال أبي زبيد بالوليد بن عقبة " وبينهما تألف أحرما بكعبته وطافا، وسقياه من تصافيهما نطاقا، وابن زيدون يعتد ذلك حساماً مسلولاً، ويرى أنه يرد به صعب الخطوب ذلولاً، إلى أن طلب عند ابيه أبي الحزم وتوسل، فاستدفع به تلك الأسنة المشرعة والأسل، فما ثنى إليه عنان عطفه، ولا كف عنه سنان صرفه " مع استعطافه له بكل مقال يحل سخائم الأحقاد، واستلطفه إياه بما يرد الصعب سلس القياد؛ فمن بديع ذلك وأحسنه قوله:
إيه أبا الحزم اهتبل غرةً ... ألسنة الشكر عليها فصاح
لا طار لي حظ إلى غاية ... إن لم أكن منك مريش الجناح
عتباك بعد العتب أمنية ... مالي على الدهر سواها اقتراح
لم يثنني عن أمل ما جرى ... قد يرقع الخرق وتوسى الجراح
فاشحذ بحسن الرأي عزمي يرع ... منه العدا بكل شاكي السلاح
واشفع فللشافع نعمى بما ... تمر من عقد وثيق النواح
إن سحاب الأفق منها الحيا ... والحمد في تأليفها للرياح وكان القاضي أبو بكر ابن ذكوان، أجل من اشتمل عليه أوان، مجداً وشرفاً، وتفننا في العلم وتصرفاً، مع دعابة حين خلواته تحل حبى المحتبي، ورقاعة عند نشواته كالتنوخي والمهلبي؛ فإذا أصبحوا بكر أبو بكر إلى مصادرة ما يتجه عليه الحكم ومواجهته، وأنكر ما كان عليه من فكاهته، فكأنما في برديه الأنام، وكأنه وقاراً يذبل أو شمام، مع عدله فيقضائه، وإنفاذ الحكم بمقتضى الحق وإمضائه. حتى إذا راح