به، يغص باستمرارها ثقتاه المختصان به، الحظيان لديه، المستهمان لخاصته: ابن مرتين وابن عمار، إلى أن عملا في إبعاده وإبعاد ابنه الرقيب بعده، فأمضي خلفه، فعندها استساغا غصته، واستهما مكانه، واحتويا على خاصة السلطان وتدبير دولته؛ ولكل دولة رجال، ولكل مكتف أبدال.

ولم يطل الأمد بابن زيدون - رحمه الله - بعد لحاق ابنه به، ووجدانه إياه متزايداً في مرضه، نازحاً عن ألافه، على جهده في استدعائها على انتهاء المدة، وانتهاك القوة؛ فاستقر به وجعه إلى أن قضى نحبه، وهلك بدار هجرته إشبيلية صدر رجب سنة ثلاث وستين، فدفن بها مشهوداً مفتقداً، واحتوى تربها عليه، فيا بعد ما بين قبره وقبر ابنه لدينا، رحمة الله عليهما؛ فقد تولى من أبي الوليد كهل لن يخلف الدهر مثله جمالاً وبياناً وبراعة ولساناً وظرفاً، وحلولاً من مراتب البلاغة - نظماً ونثراً - بمرقبةٍ لم يخلف لها بعده عاطياً، بقرانه بين الكلامين، وبراعته في الفنين، إلا أن يكون عند أولي التحقيق والتحصيل في النظم أمد طلقاً، وأحث عنقاص، فلا يلحقه فيه تقصير ولا يخشى رهقاً، أشهاده في الفنين عدول مقانع حضور عند أهل المعرفة.

لقد اتصل خبر هلكه بعشيرته أهل قرطبة فتناعوه، وسيئوا لفقده، وحزنوا عليه، إذ كان منهم، متعصباً لهم، هاوياً إليهم، حدباً عليهم، وليجة خير بينهم وبين سلطانهم الحديث الولاية، فصار مصابه لديهم كفاء ما اجتث فيه من تأميلهم، والبقاء لمن تفرد به وحده، لا رب غيره.

ولا جرم أن عزى الله إخوانه عنه بامتداد بقاء فتاه الندب أبي بكر ولده، ساداً ثلمه، سامياً مسماه، غائظاً عداه، عاطياً منتهاه، بأنواط صدق، يجذبن إلى العلاء بضبعه، من شماخة ودماثة وحصافة ونزاهة ومعرفة، ووفور حظ من أدب بلاغة وكتابة، وشركة في التعاليم المعلية، واشتداد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015