وفي يوم الاثنين لثلاث عشرةً ليلةً خلت من ذي الحجة سنة اثنتين وستين وأربعمائة، سار الحاجب سراج الدولة عباد بن محمد إلى إشبيلية - الحضرة الأثيرة - لمطالعتها وتأنيس أهلها من وحشةٍ خامرت عامتهم، من أجل عدوان رجلٍ منهم على يهودي جاء لامرجة السوق عندهم، ماراه في بعض الأمر، فزعم أنه سب الشريعة، فبطش به المسلم وسط السوق وجرحه وحرك عليه العامة، فقبض عليه صاحب المدينة عبد الله بن سلام واعتقله، فكان لعامة الناس في إنكار حبسه كلام وإكثار خشي وباله، فخاطب السلطان بقرطبة ما كان منه ويستأمر في شأنه، فعجل إنفاذ ولده الحاجب سراج الدولة إلى إشبيلية في جيش كثيف من نخبة علمائه ووجوه رجاله، لمشارقة القصة، والاحتياط على العامة، فغدوا معه وسط هذا اليوم، وأنفذ معه ذا الوزارتين أبا الوليد ابن زيدون أحد الثلاثة كابري وزرائه المثناة وزارتهم، عمد دولته، النفوذ مع الحاجب على بقية وعكٍ كان متألماً منه، ولم يعذره في التوقف من أجله. فمضى لطيته مسوقاً إلى منيته، وخلف ولده أبا بكر الفذ الوزارة، المرتسم بالكتابة وراءه، ساداً مكانه بالحضرة، فأقر فيها أياماً، ثم أمر بالمسير وراء والده لأمر كلفه، أعجل بالانطلاق له؛ فمضى بعينه غداة يوم السبت لثمان خلون من المحرم سنة ثلاث وستين بعدها. فخلت منهم منازلهم وصيرت إلى سواهم، فتحدث الناس بنبو مكان الأديب ابن زيدون لدى السلطان، وأن استساكه بعلى مرتبته، بعد مختصه المعتضد بالله، كان من المعتمد على الله رعايةً لخصوصية ابنه