وفي فصل منها:

ولم أقص عليك يا سيدي مما اجتلبته إلا ما شهر شهرة الاسم، وعرف معرفة النسب، و " ما يوم حليمة بسر ". وكنت أول حبسي قد وضعت من السجن في موضع جرت العادة بوضع مستوري الناس وذوي الهيئات منهم فيه، وفي الشر خيار، وبعضه أهون من بعض. فمنيت من مطالبة بعض من يأتمر الناظرون في السجن له ويسمعون منه. بما اقتضى نقلي إلى حيث الجناة المفسدون، واللصوص المقيدون. وشكوت ذلك إلى الحاكم الحابس لي في اليوم الذي مضى ذكره بمشهد من تقدم وصفه، فانتفى من الرضى به، وأظهر الامتعاض منه، وتقدم إلى الموكل بالسجن في اختيار مجلس أباين فيه من لا تليق بي ملابسته، وأنتبد عمن لا ترضى لي مجالسته. ثم لم لبث أن أحضره مجلس نظره، وأمر بتأديبه على امتثاله في ما أمره به، وانتهائه إلى ما حد له، وأستأنف العهد في التضييق علي، ومنع من اعتاد صلتي من الوصول إليّ، فأصعدت إلى غرفة في السجن اقنعني بها مع خساستها، وأسلاني عن المصيبة بالكون فيها على مضاضتها، انفرادي من لفيف الأخلاط، ومن ضمه السجن من السلفة والسقاط، فحين استوائي إليها عهد بخطي إليهم وخلطي بهم ووضعني بينهم، فنقلت في نفسي ثلاث نقل على أقبح النصب، وأسوأ الرتب. ودخل إليّ. في هذه الحال من أبلغني عن ابن أخي الحكم رسالة جامعة من السب الفاحش لفنون، مشتملة من الوعيد المرهب على ضروب، فلو ذات سوارٍ لطمتني!!

وإنك لم يفخر عليك كفاخر ... ضعيف ولم يغلبك مثل مغلب فلم أستطع صبراً، وعلمت أني قد أبليت عذراً، ولم يتق إلا أن يعذرني لبيد وكاد ورأيت أن العاجز من لا يستبد، فالمرء يعجز لا المحالة، ولم أستجز أن أكون ثالث الأذلين: العير والوتد. وذكرت أن الفرار من الظلم والهرب مما لا يطاق من سنن المرسلين، قال الله عز وجل على لسان موسى عليه السلام {ففررت منكم لما خفتكم} (الشعراء:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015