وكتب من قرطبة إلى ابن مسلمة بإشبيلية قبل تحوله إليها:

يا سيدي، وأرفع عددي، وأول الذخائر في عددي، وأخطر علق ملأت من اقتنائه يدي، ومن أبقاه الله في عيشة باردةٍ الظلال، ونعمة سابغة الأذيال، قد تقاصر الثناء عليك، وتوالى الحديث الحسن عنك، حتى حللت محل الأمانة، وكنت موضع تقليد الوطر، وإثبات الطوية، والله يمتعك بما حازه لك من الخير، ووفره عليك من طيب الذكر.

في علمك - أعزك الله - ما تقتضيه العطلة من إظلام الخاطر، وصدأ النفس، ويجنيه طول المقام من إخلاق الديباجة، وإرخاص القدر. وقد آن أن أجتني ثمرةً من آداب أطلت الاعتناء بها، وأخلاق أدمت رياضة الأنفس عليها. ولما مخضت الملوك، وجدت عميدهم الذي أنسى السالف قبله، وتقدم الراهن معه، وأتعب الغابر بعده، الحاجب فخر الدولة مولاي، ومن أطال الله بقاءه، وكبت أعداءه، لما خصه الله به من سناء الهمم، وسماحة الشيم، وانتظام أسباب الرياسة، وكمال آلات السياسة، واجتماع المناقب التي أفردته من النظراء، وأعلته عن مراتب الأكفاء، فرأيت قبل أن أحمل لغيره نعمة، أو أوسم ممن سواه بصنيعة، أن أعرض نفسي مملوكة عليه، عرض من لا يؤهلها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015