وما زلت - أبقى الله الحاجب - أتلقى من مساعيه المشكورة، ويقرع سمعي بمآثره المأثورة، ما هو أندى من بلوغ الأمل، وأشهى من اختلاس القبل، وأغض من جني الزهر، وألطف من نسيم السحر، حتى انقادت نفسي في زمام التأميل والمودة، ونازعت إلى الأخذ بحظٍ من الاعتلاق والممازجة. ونظرت إلى ما دون ذلك من أسباب البعد المانعة، وامتداد البلاد المعترضة، فغضضت طرف الخيبة، وطويت كشحاً على اليأس من درك الأمنية، إلى أن ندبني الأديب أبو فلان إلى مخاطبته، وحرضني على مكاتبته، ونبهني على ما في التثاقل عن مداخلته، من التضييع الصريح، والتقصير البين الصحيح، إذ هي أسنى علق غولي به، وأنفس ذخر نوفس فيه. فطربت إلى ذلك " كما طرب النشوان مالت به الخمر "، واهتززت له " كما اهتز تحت البارح الغصن الرطب ". ورأيت من شكر يد العلياء فيما حثني إليه، وحضني عليه، مما فيه حلية الفخر، ومكرمة الدهر، أن أستفتح باب المكاتبة بالشفاعة، وأنهج طريق المخاطبة في العناية به، وبيننا، بعد، من ذمام الطلب، وحرمة الود والأدب، ما أستقصر نفسي معه أن أتقدم في خدمة رغبته بقلمي، وقد تأخرت قدمي، ويعد لاقتصار غيبته كتابي، دون أن أزم لذلك ركابي، وهو فتى نام جده، واستيقظ حده؛ فتنكر الزمان له، واعترت الأيام به، بين ذئاب سعاية عوت عليه، وعقارب وشايةٍ دبت إليه، وأصلي بنار حربٍ لم يجنها، وأعدته مبارك جرب التبس بها