وأقول حينئذ: أسعد الله الحضرة السامية بهذا الشهر الميمون، وشحن صحيفتها بأجرٍ غير منون، ولا زالت الأيام تمر بها جديدة وترجع عنها بالية، وهي في أثناء ذلك ضامنة لها عزاً ينشر في الأفق ذوائبه، ومجداً يحلي بالقمرين ترائبه، وسعداً لا تخطئ سهامه، ولا يفض أبداً ختامه، ورزقاً تعذب نطافه، وتدر طول الزمان إخلافه، ورضى من الله تعالى يورث جنات النعيم، ويهدي إلى صراط مستقيم.
ولما وصلت إلى هذا المكان من هذه السطور سلمت إليّ تحفة من الحضرة السامية كأنها لون المحب قصد بالهجران، أو نهود الكواعب ضمخت بالزعفران، وحين شممتها وجدت ذات طيبين: طيب الأرومة، وطيب استفادته من اليد الكريمة، وأستغفر الله، أين البرس من الحرير، والملاب من العبير.
وفي فصل من أخرى:
المكارم - أطال الله بقاء مولاي الشيخ معمور الفناء، ممتعاً بدوام العز والنعماء - فروض مهتبلات، ومساعٍ على الدهر منجحات، وبضائع في اكتساب الشكر مربحات، ولم يزل الحمد أكبر تجائره، وتقليد المنن للأعناق، أنفس ذخائره، ومن تدرع أسباب رياسته، وبهر الألباب بباهر فضيلة نباهته، وبذ الأضراب بكمال ورعه ونزاهته، [و] دنا من قديم فخر آبائه، وطبق الأرض بفيض بحر عطائهن وطاول بطول باع مروته، وتصدر بواسع صدر همته، وأصبح حلية الزمان القديم، وغرةً لامعة في وجه الدهر البهيم، عم الأنام نفعاً، وأتى الجميل خلقاً وطبعاً، وتدارك بقية الأزمان المشفية، وجدد ما أخلق من الآمال المتعفية، فلا زالت قدمه محذوة رفات الأعداء، ويده مضمومة أزمة العلاء:
ولا زال محروساً من الخطب بالغاً إلى غاية تجري فيقتصر المجري
ولا فقدت عين الرياسة شخصه ومتع بالتأييد والنهي والأمر
وأدرك من دنياه غاية سؤله ونال المنى في الآل والمال والعمر