طويل، والمحصل قليل، وإنما ألمع هاهنا بشيء من أخبار مملكة آل زيري الصنهاجيين: كيف هبت رياحها، وأشرق صباحها، ثم نشرح بعض الأسباب التي خصت آثارها، وأحصت ليلها ونهارها:

لما تغلب آل عبيد الله الناجمين بأفريقية على مصر، فخلص له صميمها، وأهاب له ملكها ونعيمها، وأراد معد بن إسماعيل بن عبيد الله، المتلقب من الألقاب السلطانية بالمعز لدين الله، اقتعاد صهوتها، وإثبات قدمه على ذروتها، دعا زيري بن مناد، وهو يومئذ من صنهاجة بمكان السنام من الغارب، وبمنزلة الوجدان من نفس الطالب، وكان له عشرةً من الولد: آساد شرى، وأقمار سرى، فقال له: ادع لي بنيك، فقد علمت رأيي فيهم وفيك، وكان أصغرهم سناً، وأهونهم عليه شأناً، بلقين بن زيري، فدعا ولده ما عداه، والقدر لا يريد سواه، وكانت من المعز - زعموا - إثارة من علم الحدثان قد عرف بها مصاير أحواله، وأهل الغناء من أعيان رجاله، وكانت عنده لخليفته على أفريقية إذا صار إليه ملك مصر علامة يأنس بها أنس الكبير بذكر شبابه، ويعرفها عرفان العاشق لديار أحبابه، فنظر في وجوه بني زيري فأنكرها، حين تفقد تلك العلامة فلم يرها، فقال لزيري: هل غادرت من بنيك أحداً، فلست أرى لمن هاهنا منهم أيداً ولا يدا، فقال له: إلا غلام، فقال المعز: لا أراك حتى أراه، فلست أريد سواه، فلما رآه عرفه، وفوض إليه من حينه واستخلفه، فاستولى من وقته على الأمور، وزاحمت مهابته الأهواء في الصدور، وبعدت أسفاره واشتهرت أيامه، واشتمل على صرف الأيام والليالي نقضه وإبرامه، بلغ بغزواته سبتةً - في خبر طويل ليس من شطر ما ألفت، ولا في معنى ما صنفت - ثم أجاب صوت مناديه، وخلعها على أعطاف بنيه، حتى انتهت منهم إلى المعز بن باديس، منزف العشيرة، وآخر ملوكها المشهورة، فأول ما افتتح به شانه، وثبت به - زعم - سلطانه، قتل الرافضة ومراسلة أمير المؤمنين ببغداد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015