ولحظه بابلي، وقده قضيبي، وردفه كثيبي، وخصره سابري، وصدره عاجي، فكان فمي يشرب كافوره بالشفق، فيخرج ذلك صدر الغسق، فوكل من بهيمه، رقيباً على فضي أديمه، فتوهم ذلك الطاهر الأخلاق، والطيب الاعتناق، أن ذلك يضعف أسباب محبته، ويخلق رسوم مودته، فقلت له: بحقي عليك يا أبا علي إلا ما قلت في هذا المعنى شيئاً، فأطرق قليلاً ثم قال (?) :
وأسمر اللون عسجدي يكاد يستمطر الجهاما
ضاق بحمل العذار ذرعاً كالمهر لا يعرف اللجاما
ونكس الرأس إذ رآني كآبة واكتسى احتشاما
وظن أن العذار مما يزيح عن قلبي الغراما
وما درى أنه نبات أنبت في جسمي (?) السقاما
وهل ترى عارضيه إلا حمائلاً قلدت حساما (?)
ومعنى هذا البيت الأخير كقول الآخر:
ومستحسن وصلي جعلت وصاله شعاري فما أنفك دأباً أواصله
كأن بعينيه إذا ما أدارها حساماً صقيلاً والعذار حمائله
قال أبو عبد الله الصقلي: فلم أزل أتكرر على أبي علي وألاطفه حتى أطلعني على سرائره مع ذلك الغلام، فوالله ما اطلعت له معه على ما يحاسب به من قبيح فعل ولا مذمومه، وكنت في خلال ذلك اختلف إلى ذلك الغلام الجوهري، فجلست يوماً إليه فجعلت أذكر له بعض ما ذكر لي أبو علي، فرأيته قد تغير لونه، وأطرق ساعةً، ثم أخذ سحاءة فكتب فيها: " بسم الله الرحمن الرحيم، كتمان السر حلية القلب، فإن أزاله بقي عاطلاً " ثم طواها ودفعها إليّ وقال: قد أودعت