إليّ وهو ثاني اثنين، فأخذ بيدي، وجعل يسألني، فأخبرته عن أمري [- و] بعد أن تمكن أنسي بمجالسته قال لي يوماً: يا أبا عبد الله، إن ها هنا بالقيروان غلاماً قد برح بي حبه، واستولى علي كربه، منذ عشرة أعوام، وأنا إذ عض هواه على كبدي، وسطا شوقه على جلدي، ناهض إليه، وحسبك أنني ما اضطربت عنك منذ حين، إلا أني أحدث نفسي بحديثه العذب الموارد والمصادر، وأعللها بأخباره المحمودة الأوائل والأواخر، فإن أنت ساعدتني على الشخوص إليه قدمت عندي يداً لا يعدلها إلا رضاه، فقلت: سمعاً وطاعة؛ وصرت معه حتى جئنا صناعة الجوهريين، فإذا بغلاكٍ كأنه بدر تمام صافي الأديم، عطر النسيم، كأنما يضحك عن در، ويسفر عن بدر، قد ركب كافور عارضيه غبار عنبر، فحكى كتابة مسكٍ على بياض، يجرحه الوهم بخاطره، ويدميه الطرف بناظره؛ فلما رآنا الغلام علته خجلة سلبت وجه أبي علي ماءه، فأنشدته قول الصنوبري (?) :

آية من علامة العشاق اصفرار الوجوه عند التلاقي

وانقطاع يكون من غير عي وولوع بالصمت والإطراق

فقال لي: يا أبا عبد الله، والله ما واجهته قط بوجهي إلا وغشي علي ولكني تثبت (?) بك، وأنست إلى عذوبة لفظك، مع أني لم أزود من وجهه المقمر، إلا متعة بقده المثمر، لتنكيسه رأسه عند طلوعي عليه، فقلت: ولم ينكس رأسه - والله ما رأيت أشبه بالبدر منه خداً، ولا بالغصن قداً، ولا بالدر ثغراً، ولا بالمسك من رياه نشراً، فقال لي: يا أبا عبد الله، ما أبصرك بمحاسن الغلمان، لا سيما من فضضت كف الجمال صفحته، وذهبت وجنته، وخافت على تفاح خده العيون، فوكلت بها الفتون، يا أبا عبد الله: ينكس رأسه لأني علقته وخده هلالي، وفرعه ظلامي،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015