بلاغة وبيان، وقال أبو علي بن رشيق، وما أبو علي - شعاع القمر، وحديث السمر، ومعجزة الخُبر والخبر، فات الأواخر والأوائل، واسكت المناظر والمماثل.

ولما طلع نجم (?) النحوس، بملك (?) المعز بن باديس، وخرج إلى المهدية بسماءٍ كاسفة الأقمار، وذماءٍ أقصر من ظمأ الحمار، كان أبو علي ممن انحشر في زمرته المحروبة، وتحيز إلى فئته المفلولة المنكوبة، فأقام معه بها أنفة الجلاء، وإشفاقاً من فرقة الأحبة والخلصاء، وغشي المهدية أسطول الروم فأصبح البحر ثنايا، تطلع المنايا، وآكاماً تحمل موتاً زؤاماً، فدخل يومئذ على تميم (?) حين وضح الفجر، وقد تم الذعر، وضاق ذات الصدر، فوجده في مصلاه والرقاع عليه ترد، والشمع بين يديه يتقد، فقام على رأسه ينشد قصيدته التي أولها:

تثبت لا يخامرك اضطراب فقد خضعت لعزتك الرقاب

فقال له: مه، أحال عهدك أم تغير، أم قد أدبر بك الزمان في ما أدبر - ويلك! متى عهدتني لا أتثبت - إذا لم تجئنا إلا بمثل هذا فمالك لا تسكت عنا - وأمر بالرقعة التي كانت فيها القصيدة فمزقت، ولم يقنعه ذلك حتى أدنوها إلى السراج (?) فأحرقت، فخرج ابن رشيق يومئذ من عنده على غير طريق، لا يعقل ما يطأ، ولا يدري إلى أين ينكفئ، وكان وجهه إلى صقيلية، وكان ابن شرفٍ قد سبقه إليها، ووفد قبله عليها، وكان وقع بينهما بالقيروان، [ما وقع] بين الخوارزمي وبديع الزمان، من مناقضاتٍ ومعارضات، شحذت الطباع، وملأت العيون والأسماع، وتجاوزت الإحسان والإبداع، فلما اجتمعا يومئذٍ بصقيلية تنمر بعضهما لبعض، وتشوف أعلام البلد لما كان بينهما من إبرامٍ ونقض، وقصد ابن رشيق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015