فتقنا نوافج الآراب، عن مسك الآداب، ونشرنا طرائف المطارف، عن لطائف الزخارف، وتسالبنا من أثواب المذاكرة، وتجاذبنا أهداب المحاضرة، من سائح فكر، وغرائب فقر، ألذ من سمرٍ بلا سهر، إلى أن أفضينا إلى ذكر البيت المظلوم واجب حقوقه، المسلوك به غير طريقه، على أنه ورد من صفاء السلك، وصحة الديباجة وكثرة المائية في أجمل حلة، وأجل حلية، فكان كما قلت (?) :
ومذهب الوشي على وجهه ديباجة ليست على الشعر
كزهرة الدنيا وقد أقبلت ترود في رونقها النضر
أو كالنسيم الغض غب الحيا يختال في أردية الفجر
هذا وهو بمحاورة الطبع للسمع، ومباراة الخاطر للناظر، من غير إعمال الفكر ولا تدقيق النظر، لكن بديهتك إذا أهداها قلبك إلى قلمك، وأداها لسانك عن فهمك، وأبديت بادرة ما أهديت إلى من عهدم به، وهو محرر للنقد، مقدر على السرد، أعرض عنه صفحاً، وطوى دونه مكشحا، حتى طال بلا طائلٍ لديه، ولا طلاوة عليه:
فقلت والقلب موقوف على حرقٍ يبعثن أنفاس صدر كاظم وحم
أي القرائح يعفو لمع بارقها في عارضٍ من ظلام الليل مرتكم
بحيث لا نحن من إقبال ذي أدبٍ نحظى بنجح ولا إفضال ذي كرم
إذا كان من إليه تتحاكم الخصوم في كل العلوم، فتقف منه الألباب على فصل الخطاب، وفص الصواب، ووجه الجواب، يلحظ ما يجري لأبناء عصره، وأنشاء دهره، من سر البديع، الزاهي على زهر الربيع، والزاري بالوشي الصنيع، بطرفٍ أسقم من أجفان الغضبان، ويعيره وجهاً هو لفرط التقطيب، كوامقٍ فاجأه شخص الرقيب، أو غزل طالعه وفد المشيب، فأي لب يصفو مزاجه، وأي قلبٍ يضيء سراجُهُ!