ولذاك ما ساد النبي محمد كل الأنام وكان آخر مرسل
وقد سبق مؤلفو الكتب إلى ترتيب المتقدمين والمتأخرين، فكم من كتابٍ فاخرٍ عملوه، وعقدٍ باهرٍ نظموه، لا يشينه إلا نبو العين عن إخلاق جدته، وبلى بردته، [ومج] السمع لمردداته، وملالة القلب لمكرراته، وبقيت محاسن أهل العصر التي معها رواء الحداثة، ولذة الجدة، وحلاوة قرب العهد، وازدياد الجودة على كثرة النقد، غير محصورة في كتاب يضم نشرها، ويشد أزرها.
وقد كنت تصديت لعمل ذلك في سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، والعمر بإقباله، والشباب بمائه، فافتتحته باسم بعض الوزراء، مجرياً إياه مجرى ما يتقرب به أهل الأدب، إلى ذوي الأخطار والرتب، ومقيماً ثمار الورق مقام نثار الورق، وكتبته في مدة تقصر عن إعطاء الكتاب حقه، ولا تتسع لتوفيته شرطه، وارتفع كعجالة الراكب، وقضيت به حاجة في نفسي وأنا لا أحسب المستعرين يتعاورونه، والمستحسنين (?) يتداولونه، وحين أعرته بعض بصري، وأعدت فيه نظري، تبينت مصداق ما قرأته في بعض الكتب: " إن أول ما يبدو من ضعف ابن آدم أنه لا يكتب كتاباً فيبيت عنده ليلةً إلا أحب في غدها أن يزيد فيه أو ينقص منه " هذا في ليلة واحدة فكيف في سنين عدة -! ورأيتني أحاضر بأخوات كثيرة ومادات غزيرة حصلت إليّ بعد، فقلت: إذا كان هذا الكتاب له موقع من نفوس الأدباء، ومحل من قلوب الفضلاء، فلم لا أبلغ فيه المبلغ الذي يراد، ويستوجب من الاعتداد (?) - ولم لا أبسط فيه عنان الكلام، وأرمي في الإشباع والإتمام [هدف] المرام - فجعلت أثبته وأمحوه، وأفتتحه فلا أختمه، وأنتصفه فلا أتمه، والأيام تعجز، وتعد ولا تنجز، إلى أن أدركت عصر الصن والحنكة، فاختلست لمعة من ظلم الدهر،